الخميس، 31 يناير 2013


بقلم: صادق إبراهيم صادق - مصر
الإثنوسينولوجيا مجموعة من الفرجات الفطرية والثقافات الإثنية المتنوعة، وهي كذلك مجموعة من الأنشطة الإنسانية الحية المتنوعة، ومجمل الفنون المشهدية الاحتفالية والظواهر البشرية سواء أكانت فردية أم جماعية، والتي يغلب عليها الطابع المشهدي المنظم. وفي إطار هذه الأنشطة والفنون الشعبية، يمكن الحديث عن الألعاب، والأعياد، والاحتفالات، والطقوس، والحركات الصامتة، والرقص، والموسيقى، والرياضة، والجسد، والتراجيديا، والكوميديا، والفكاهة ، والأمكنة الدرامية المفتوحة وفضاءات الهواء الطلق... لأن المسرح الغربي مرتبط في جوهره بالفضاءات المغلقة، وخاصة العلبة الإيطالية.


توطئـــــة:

من المعروف أن المسرح منذ القرن العشرين قد استفاد كثيرا من مجموعة من النظريات والمقاربات والعلوم بشكل من الأشكال، ومن بين هذه العلوم، نذكر: علم الاجتماع، والأنتروبولوجيا، والإثنوغرافيا، والسيميوطيقا، والتاريخ، والفلسفة، واللسانيات، وعلوم التواصل. إلا أن الباحثين في مجال المسرح سينفتحون قدر الإمكان على علم جديد، متفرع عن أنتروبولوجيا المسرح، يختص بدراسة الفرجات الفنية والجمالية ، والاهتمام بالممارسات الأدائية الفلكلورية الشعبية، والعناية بالأشكال التعبيرية الاحتفالية ماقبل المسرحية لدى كافة شعوب العالم بدون استثناء. ويسمى هإثنوسينولوجيا في حقل المسرح؟
ماذا تعني الإثنوسينولوجيا في حقل المسرح؟
العلم الجديد بالإثنوسينولوجيا(L'ethnoscénologie)، وقد ظهر في سنوات التسعين من القرن الماضي بفرنسا، وذلك بتشجيع من منظمة اليونسكو ودار ثقافات العالم، وذلك بغية التعرف على ثقافات الشعوب وعاداتها وتقاليدها وأعرافها، والاطلاع على فنونها وفرجاتها الدرامية. إذاً، ماهي الإثنوسينولوجيا؟ وماهو تاريخ ظهورها؟ وماهي مفاهيمها ومرتكزاتها النظرية والتطبيقية؟ وماهي أهدافها الخاصة والعامة؟ وماهي آليات المقاربة الإثنوسينولوجية في التعامل مع الممارسات الفرجوية والأشكال الأدائية الموروثة؟ وماهي أهم الإنجازات النظرية والتطبيقية التي يمكن أن تندرج ضمن هذا العلم الجديد؟ هذا ما سوف نتناوله في ورقتنا هاته.

1- مصطلح الإثنوسينولوجيا:
يتكون مصطلح الإثنوسينولوجيا (L'ethnoscénologie)، و الذي بلوره الباحث المسرحي الفرنسي جان ماري براديي ( Jean-Marie PRADIER)، من كلمة الإثنو (Ethno)، والتي تحيل على العرق والأصل والهوية والجذور والثقافة الشعبية، وكلمة (scéno ) أو سكينو (skenos )الإغريقية ، والتي تحيل على كلمة ، (scène) ، وذلك بمعنى المشهد الفرجوي، وقد يقصد بها أيضا الفضاء المغطى، أو المكان الذي تعرض فيه الأحداث المسرحية، أو يقصد بها الجسد بصفة عامة. ويعني هذا المصطلح المركب أن الإثنوسينولوجيا تهتم بدراسة الفرجات المشهدية لدى الشعوب القديمة، وذلك باعتبارها ظواهر ثقافية اجتماعية وإثنوغرافية، تعبر من خلالها عن رؤيتها للوجود والإنسان والحياة والكون والطبيعة والقيم والمعرفة، كما تعكس كذلك طبيعة التفكير لدى الإنسان القديم، وطريقة تعبيره وتخييله وانفعاله وتحركه، وكيفية تعامله مع الموضوع الخارجي على المستوى الفني والجمالي والفلكلوري.

2- تاريـــخ ظهـــور الإثنوسينولوجيا:
ظهرت الإثنوسينولوجيا (L'ethnoscénologie) بفرنسا سنة 1995م، متأثرة في ذلك بالإثنوموسيقى L'ethnomusicologie) )، أو ما يسمى كذلك بموسيقى الشعوب الأصيلة، والتي ظهرت بدورها في فترة مبكرة قبل ظهور الإثنوسينولوجيا. ولم تظهر الإثنوسينولوجيا إلى ساحة الوجود إلا من أجل إدراك الظواهر المسرحية الفطرية، ومعرفة مكوناتها الفنية والجمالية فرجويا وثقافيا وأنتروبولوجيا . وكانت بداياتها الأولى بمختبر الأبحاث المتخصص في دراسة الممارسات الفرجوية الإنسانية الحية بجامعة باريس الثامنة، وذلك بفانسان سانت دونيس/ Vincennes Saint Denis. وارتبطت انطلاقتها الأولى أيضا بمنظمة اليونسكو، ودار ثقافات العالم التي كانت تعنى أيما عناية بكل ثقافات شعوب العالم تنظيرا وتطبيقا وبحثا وعرضا، واقترنت كذلك بمجموعة من الأساتذة والباحثين البارزين، مثل: جان ماري براديي ( Jean-Marie Pradier )، وجان دوفينو( Jean Duvignaud)، وأندري مارسيل دانس (André Marcel d'Ans )، وشريف خازنادار( Cherif Khaznadar)، وفرانسواز كروند( Françoise Gründ)، وجيلبير روجي( Gilbert Rouget )، وباتريس بافيس( Patrice Pavis )، وكلود بلانسون (Claude Planson)، وغيرهم... وبعد ذلك، انضم إليهم مجموعة من الأساتذة والباحثين الجامعيين من داخل فرنسا وخارجها، وخاصة الأساتذة الجامعيين البرازيليين، ومنهم على سبيل الخصوص: أرميندو بياو( Armindo Biao)...

ويلاحظ أن هذا التخصص الجديد قد شارك في بلورته مجموعة من الباحثين في مجالات ثقافية متنوعة ، فهناك من يشتغل في مجال المسرح مثل: جان ماري براديي، وهناك من يهتم بسوسيولوجية المسرح كجان دوفينو، وهناك من يعنى بالأنتروبولوجيا كأندري مارسيل دانس...
هذا، وقد نظمت شعبة الإثنوسينولوجيا بالجامعة الفرنسية، وذلك بتعاون مع اليونسكو ودار ثقافات العالم، مجموعة من الندوات والمؤتمرات الثقافية والفكرية والمعرفية والبيداغوجية حول الإثنوسينولوجيا، فجمعت ضمن شبكتها المعرفية مجموعة من المنظرين والمحترفين من مختلف بلدان العالم ، وذلك في تخصصات علمية شتى ، مثل: علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم الموسيقى، والتاريخ، والأنتروبولوجيا، والبيولوجيا، وعلم الأعصاب، واللسانيات، والعلوم، والتكنولوجيا،والسيميوطيقا، وعلم الرقص الفطري، بله عن فروع الأنشطة الفيزيائية والرياضية. والغرض من كل ذلك هو الفهم الجيد للبعد الجمالي المركب الذي تقوم عليه الفنون المشهدية الإنسانية الحية في كل تمظهراتها الثقافية والأدائية ، والتي لايطلق عليه ما يصطلح عليه فن المسرح بالمفهوم الغربي.. لكن هذه الفنون المشهدية والممارسات الفرجوية تتضمن في طياتها، بشكل من الأشكال، تعابير درامية،وتحوي لوحات طقوسية ومشاهد مسرحية صالحة لأن تكون مصدرا للمعرفة والإبداع.
وقد ظهرت اليوم عدة مراكز للبحث الإثنوسينولوجي تهتم بالفرجات الشعبية العرقية الأصيلة سواء في دول الشمال أم في دول الجنوب،كفرنسا،والبرازيل،والمكسيك،والنمسا، وتونس(المعهد العالي للفن المسرحي )... ومن جهة أخرى، يعتبر مهرجان التخييل الذي تسهر عليه دار ثقافات العالم ، وذلك بتنسيق مع اليونسكو وجامعة باريس الثامنة، من أهم المهرجانات العالمية التي تهتم بعرض الممارسات الفرجوية النادرة والموغلة في الأصالة والقدم، وفي نفس الوقت، يهتم هذا المهرجان بعرض الفرجات الدرامية المعاصرة في كل أشكالها التعبيرية والفنية والجمالية.

3- موضـــوع الإثنوسينولوجيا:
تدرس الإثنوسينولوجيا (L'ethnoscénologie) ، وذلك حسب جان ماري براديي( Jean-Marie PRADIER)، مختلف الممارسات الفرجوية والسلوكيات الإنسانية في مختلف ثقافات شعوب العالم، وذلك في أشكالها المنظمة وصيغها المقننة. أي: إنها تدرس الفرجات الشعبية القديمة والأشكال التعبيرية الثقافية الأصيلة. وبالتالي، فهي تدرس جميع ثقافات شعوب العالم ذات الطابع الفلكلوري بدون استثناء، ولاسيما التي لم تعرف فن المسرح بالمفهوم الغربي لكلمة المسرح.
وبتعبير آخر، فالإثنوسينولوجيا مجموعة من الفرجات الفطرية والثقافات الإثنية المتنوعة، وهي كذلك مجموعة من الأنشطة الإنسانية الحية المتنوعة، ومجمل الفنون المشهدية الاحتفالية والظواهر البشرية سواء أكانت فردية أم جماعية، والتي يغلب عليها الطابع المشهدي المنظم. وفي إطار هذه الأنشطة والفنون الشعبية، يمكن الحديث عن الألعاب، والأعياد، والاحتفالات، والطقوس، والحركات الصامتة، والرقص، والموسيقى، والرياضة، والجسد، والتراجيديا، والكوميديا، والفكاهة ، والأمكنة الدرامية المفتوحة وفضاءات الهواء الطلق... لأن المسرح الغربي مرتبط في جوهره بالفضاءات المغلقة، وخاصة العلبة الإيطالية، في حين نجد أن عرض الفرجات الشعبية الثقافية رهين بفضاءات احتفالية شعبية مفتوحة.
ويعني هذا أن الإثنوسينولوجيا تدرس الثقافة الشعبية والفرجات الفلكلورية المتنوعة في مفرداتها ومكوناتها وتلاقحها واندماجها وعطاءاتها. فالثقافة لها " أهمية ودور في تشكيل نسيج المعاني والأفكار وسلوك الأفراد في المجتمع والفنون والتراث الشعبي ومظاهر السلوك على حياة الناس في تجميعهم وتفردهم" . وتتسم الثقافة الشعبية كذلك بالاستمرار والثبات والوراثة. وفي نفس الوقت، تتعرض للتغير والتحول والتبدل. وتتضمن الثقافة في جوهرها مكونات مادية وروحية، ومفردات وقيم ومثل وتقاليد. وللثقافة قوة وسلطة داخل المجتمع الإنساني. لذا، يستلزم تعلمها واكتسابها والاستفادة منها.
زد على ذلك، تدرس الإثنوسينولوجيا جميع الأشكال التعبيرية الإنسانية سواء أكانت مقدسة أم دنيوية، مكتوبة أم شفوية، ذات ثقافة عالمة أم شعبية، احترافية أم غير احترافية، تقليدية أم معاصرة، كل هذا من أجل خدمة التراث الثقافي اللامادي للبشرية، والدفاع عنه بشكل من الأشكال. وعلى العموم، تهتم الإثنوسينولوجيا (L'ethnoscénologie)، باعتبارها علما متعدد الاختصاصات والفروع والشعب، بجماليات تجسيد المتخيل، وتمثيله فنيا وجماليا، وتشخيصه دراميا وفرجويا. كما تهتم الإثنوسينولوجيا بدراسة الظواهر الثقافية العالمية ذات البعد الإثنوغرافي والعرقي والسلالي، والتي تحمل في طياتها فرجات مشهدية مختلفة عن فن المسرح. والمقصود من هذا أن الإثنوسينولوجيا تبحث في الأشكال الفرجوية الفطرية العريقة والأصيلة المختلفة عن بنية المسرح الغربي الأرسطي. أي: إن مجموعة من الفرجات الإنسانية والأشكال الثقافية والظواهر الإبداعية الفردية والجماعية قد تحمل في طياتها فنيات أسلوبية وتقنية، وأفكارا جادة وهامة، ومتعة جمالية، ويمكن أن تتضمن كذلك معارف بيداغوجية تطبيقية، وتحوي ابتكارات إجرائية و تقنية وجمالية، وذلك على مستوى الأداء والتعبير والتشكيل. وكل هذا يمكن أن يستفيد منه الطلبة والأساتذة الباحثون في مجال المسرح والفنون والعروض الفرجوية والمشهدية. ونستحضر من بين هذه الفنون والفرجات الفطرية العريقة: النو، والكابوكي، وكاطاكالي، وأوبيرا بكين (Opéra Pékin)، والكوميديا دي لارتي ، والكراكوز، وتعزية الشيعة، وخيال الظل، والحلقة، والمداح، والحكواتي، وسلطان الطلبة، واعبيدات الرما، والسامر، والمقلداتي، والبساط، والجذبات الصوفية (العيساوة)، والعرائس، والأقنعة، والأعراس الأمازيغية...

ومن هنا، يظهر لنا أن الإثنوسينولوجيا شعبة علمية جديدة تهتم بدراسة الأفكار القديمة، وتعنى بالإبداع الفني والجمالي، ومقاربة الفرجات الفلكلورية على ضوء مناهج النقد العلمي الموضوعي. وبالتالي، فهي متعددة المشارب والمصادر، وقد تشكلت انطلاقتها الأولى في مجال الفنون المشهدية، وتبلورت كذلك داخل النطاق الجامعي، وداخل أروقة اليونسكو ودار ثقافات العالم . وفي العموم، الإثنوسينولوجيا مقاربة أنتروبولوجية وإثنوغرافية للفرجة الإنسانية نظريا وتطبيقيا إن درسا وإن عرضا.

4- العلوم التي تنبني عليها الإثنوسينولوجيا:
تعتمد الإثنوسينولوجيا في دراساتها للفرجات الفطرية والفنون المشهدية على مجموعة من المعارف والعلوم النظرية والتطبيقية بشكل مندمج ومتداخل، كالإثنولوجيا، والأنتروبولوجيا، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والبيولوجيا، وعلم الأعصاب، واللسانيات، والسيميوطيقا، والتاريخ، والجغرافيا، والاقتصاد، والفيزياء، والرياضة البدنية، والموسيقى، والرقص، وعلم المسرح، وعلوم الدين، والفلسفة، والمناهج النقدية الأدبية، والثقافة الشعبية(الفلكلور)...

ويعني هذا أن الإثنوسينولوجيا علم مركب من مجموعة من التخصصات والشعب العلمية المتداخلة، والتي تسمح بفهم الظواهر الثقافية اللامادية، وتفسيرها وتحليلها وتأويلها بطريقة شمولية وكلية ، وذلك على أسس علمية، وعلى ضوء مناهج موضوعية ، تحد ، بحال من الأحوال، من طغيان النزعة الذاتية ذات البعد الانطباعي أو الانفعالي، وتجنب كل تمركز إثني ضيق لايعترف بما لدى الآخرين من أصالة وابتكار وإبداع ، وتفادي التصورات العرقية الشوفينية التي قد ترجح عرقا على باقي الأعراق الإنسانية، وذلك باسم القوة والسلطة والعلم والعقل والتكنولوجيا.

5- المبادئ النظرية والتطبيقية للإثنوسينولوجيا:
ترتكز الإثنوسينولوجيا على مجموعة من المبادئ النظرية والتطبيقية، ويمكن حصرها في النقط التالية:
-مقاربة الظواهر الثقافية الإثنوغرافية، وذلك باعتبارها فرجات شعبية وممارسات أدائية احتفالية.
- تحديد مكونات الأشكال الفرجوية، وترسم طرائق اشتغالها، وتتبع تطورها أو نكوصها.
- رصد الأشكال التعبيرية والفرجات المسرحية في أبعادها التاريخية والأنتروبولوجية والفلسفية ، مع تحديد بنياتها الشكلية، واستخلاص عناصرها البنيوية والسيميائية الثابتة والمتغيرة، كأن ندرس فن الحلقة بالمغرب مثلا، وذلك بمعرفة تاريخها، ورصد مكوناتها السيميائية اللفظية وغير اللفظية، وتعرف بناها الفنية والجمالية والكوريغرافية والإيقاعية، وتحليل خطابها الدلالي، واستقراء أبعادها الأنتروبولوجية والطقسية والفلسفية، وعلاقة تلك الفرجة الاحتفالية بالإنسان والمجتمع.
- البحث عن العلاقات المفترضة بين الأشكال الفرجوية الثقافية بالفن المسرحي، وهل يمكن اعتبارها رافدا من روافده أم هي شكل فني مستقل له هدفه وكيانه الخاص؟
- معرفة كيفية استثمار أشكال الفرجات الفطرية أو محتوياتها التراثية، والإفادة من بعض أجوائها لتطعيم العرض المسرحي بمزيد من الأصالة والثراء والتأسيس.
- الاعتماد على منهجية الملاحظة والإدراك والوصف و التحليل والتأويل، ووصف الأشكال الفرجوية بطريقة علمية موضوعية.
- البحث عن الفني والجمالي والدرامي في تلك الظواهر الفرجوية الثقافية الأنتروبولوجية، سواء أكانت تلك الظواهر بسيطة أم مركبة.
- دراسة تلك الفرجات الشعبية الفلكلورية على ضوء مناهج علمية متعددة ومتداخلة، وذلك من أجل تكوين فهم أدق وأعمق بجماليات الفرجة، ومعرفة طرائق اشتغالها أداء وعرضا وفضاء وجسدا وتصويتا وتنغيما.
- التعامل مع الممارسات الفرجوية الإثنوغرافية، وذلك باعتبارها ظواهر رمزية وسيميائية، وأشكالا علاماتية تستوجب الوصف والتفكيك والتركيب.
- ربط الفرجة الفلكلورية بكل مكوناتها الجسدية والموسيقية والحركية وطقوسها الأنتروبولوجية والمشهدية.
- البحث عن مواطن الإبداع والأصالة في تلك الممارسات الفرجوية الشعبية الاحتفالية ذات البعد اللامادي.

6- أهــــداف المقاربة الإثنوسينولوجية:
من المعلوم أن للمقاربة الإثنوسينولوجية مجموعة من الأهداف والغايات القريبة والمتوسطة والبعيدة، ويمكن حصرها في الأهداف التالية:
- المحافظة على التراث الثقافي اللامادي الذي تركته البشرية للأجيال القادمة.
- دراسة الثقافة الشعبية الفطرية في بعدها الفرجوي والدرامي والاحتفالي بنية ودلالة ومقصدية.
- الدفاع عن التنوع الثقافي، حيث تهدف المقاربة الإثنوسينولوجية إلى مناصرة التنوع الثقافي، باعتباره ميسما أساسيا للحضارة البشرية، مع رفض كل أشكال التغريب والاستلاب والتدجين والمسخ والتشويه ، ورفض عولمة الثقافة. وبالتالي، تأبى هذه المقاربة أن تسحق ثقافات الشعوب الأصيلة والعريقة، وذلك باسم التغريب، واستخدام القوة والعلم والتكنولوجيا.
- جمع جميع أشكال الفرجات الثقافية المتلاشية والمبعثرة والمتناثرة، والتي أوشكت على الاندثار، والعمل على تدوينها ورقيا ورقميا وإعلاميا وبصريا، وتوثيقها توثيقا علميا، مع تسجيلها ، بطبيعة الحال، وطبعها ونشرها، بغية استثمار نتائجها معرفيا وبيداغوجيا.
- دراسة الممارسات الفرجوية الشعبية الفطرية دراسة اجتماعية وإتنولوجية وأنتروبولوجية ولسانية وتاريخية ونفسية، وذلك بالتركيز على معطياتها الفنية والجمالية والمشهدية، ودراسة أشكالها التعبيرية سواء ارتبطت بالرقص أم بالموسيقى أم بالجسد، كدراسة الگامبوه (بالي)،أو الكاغورا(اليابان)،أوالتيام(الهند)،أوالسلمية(تونس)، أوتشيلولي(ساوطومي،أوديابلادا(بوليفيا)،…
- مقاربة تلك الظواهر والممارسات الفرجوية العريقة مقاربة علمية، وذلك على ضوء مناهج متعددة، وعلى ضوء الإمكانيات المتوفرة.
- اكتشاف الآخر عبر هذه الفرجات الدرامية، ومعرفة ثقافته الموروثة، وطريقة تفكيره، وطبيعة اعتقاداته، ونمط ذوقه، وطريقة التعامل مع الذات والموضوع.
- معرفة أنماط التخييل الفني والجمالي وطرائق التعبير لدى شعوب العالم ، وذلك أثناء حديثها عن الهوية أوالتعددية، أوالدعوة إلى الانسجام الثقافي، واحترام ثقافات الشعوب الأخرى.
- العمل على الجمع بين عدة تخصصات، مثل: الإثنولوجيا والأنتروبولوجيا، و المسرح، والموسيقى ، والرقص، من أجل فهم الفرجة القديمة، وإدراك الظواهر الدرامية الإنسانية في شتى تمظهراتها التعبيرية والفنية والجمالية.
- دراسة الممارسات الفرجوية والأشكال التعبيرية في طابعها الفطري والطقسي، دون إخضاعها لقواعد المسرح الغربي، وإسقاطات الرؤية الغربية.

7- بعض الأعمال الإثنوسينولوجية الغربية والعربية:
يمكن الإشارة إلى مجموعة من الدراسات والكتب الغربية التي يمكن أن تندرج ضمن الإثنوسينولوجيا، ومن بينها كتاب:" سوسيولوجية المسرح" لجان دوفينو ، وكتاب جان ماري براديي ومقالاته، مثل: " الفضاء وصناعة الجسد- إثنوسينولوجية الفرجة في الغرب من القرن الخامس قبل الميلاد إلى القرن الثامن عشر" ، و" الممثل: مظاهر التعلم" ، والكتاب الجماعي:" الفضاء الركحي والأرض: أسئلة الإثنوسينولوجيا" ، وكتابي باتريس بافيس:" تحليل الفرجات" و"الإخراج المعاصر" ، وكتب أوجينيو باربا عن المسرح الثالث أو المسرح الأنتروبولوجي ...
وعلى المستوى العربي، يمكن الإشارة إلى مجموعة من الأعمال التي يمكن إدراجها ضمن الإثنوسينولوجيا ، بشكل من الأشكال، مادمت تبحث في الفرجة الدرامية إثنوغرافيا وأنتروبولوجيا، وتبحث عن أشكالها، وتعنى بوصفها ، وتهتم بتحديد مكوناتها البنيوية والتاريخية. ومن أهم هذه الكتب، نستحضر: كتاب محمد عزيزة:" الإسلام والمسرح" ، وكتاب عمر محمد الطالب:" ملامح المسرحية العربية الإسلامية" ، وكتب الدكتور حسن المنيعي:" أبحاث في المسرح المغربي" ، و" المسرح المغربي: من التأسيس إلى صناعة الفرجة" ، و" يبقى الإبداع" ، و"المسرح...مرة أخرى" ، وكتاب حسن بحراوي:" المسرح المغربي بحث في الأصول السوسيوثقافية" ، وكتاب عبد الله حمودي:" الضحية وأقنعتها، بحث في الذبيحة والمسخرة بالمغارب" ، وكتاب خالد أمين:"الفن المسرحي وأسطورة الأصل(مساحات الصمت) ، و ماكتبه المسكيني الصغير في دراسته القيمة:" مدخل إلى تعريف الثقافة الشعبية ودورها الوظيفي" ، وكتاب حسن يوسفي :" المسرح والأنتروبولوجيا" ، وكتاب محمد التهامي الحراق" موسيقى المواجيذ" ، وكتاب جميل حمداوي:" المسرح الأمازيغي" ، وكتاب حافظ الجديدي:" في الفنون المشهدية" ، وكتاب محمود الماجري:" مسرح العرائس في تونس: من ألعاب كاركوز إلى العروض الحديثة" ، وكتاب عادل حربي:" محاور درامية في الثقافة السودانية" ؛ وكتاب خليفة أحمد محمد :" ألعاب الصبية في السودان" ، وكتاب علي الضوء:" الموسيقى التقليدية في مجتمع البرتا" ، وكتاب الدكتور عثمان جمال الدين" الفلكلور في المسرح السوداني" ...وهلم جرا.
أما الذين اهتموا بتوظيف الفرجات التقليدية والأشكال الفطرية في عروضهم وتجاربهم المسرحية تنظيرا وتطبيقا، لابد أن نذكر: كروتوفسكي، وأنطونان أرطو، وأوجينيو باربا، وبريشت، وأريان مينوشكين، وجاك ليكوك، وبيتر بروك، وتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس، ورواد المسرح الاحتفالي العربي، و الطيب الصديقي، وأحمد الطيب العلج، وعز الدين المدني،وعبد القادر علولة، والفاضل الجزيري...

تركيب واستنتاج:
وعليه، فالإثنوسينولوجيا (الأنتروبولوجيا الثقافية) هي دراسة لمجمل الممارسات الدرامية، والأداءات الفرجوية، والأشكال التعبيرية الفنية لمختلف الشعوب الإثنية والتجمعات الثقافية في العالم كله، حتى التي توجد في الغرب نفسه. والغرض من ذلك هو إدراك الخصوصيات الثقافية، وفهم الهويات البشرية، وذلك من خلال ما يعرض من أداءات طقسية، وفرجات فنية وجمالية، وأشكال درامية تعبيرية ، مع رصد التنوع الفني والجمالي والفرجوي في كل التمظهرات الثقافية الشعبية. كما أن الإثنوسينولوجيا مقاربة أنتروبولوجية للفرجة البشرية نظريا وتطبيقيا، حيث تعتمد في ذلك على مجموعة من العلوم والمعارف لدراسة الفرجات المسرحية دراسة علمية موضوعية ، بغية فهم ثقافات الشعوب، وإدراك عاداتها الموروثة، وملاحظة تقاليدها وأعرافها، ومعرفة طريقة تفكيرها. ولقد حاولت الإثنوسينولوجيا جاهدة دراسة الفرجة بعيدا عن مصطلح المسرح والنص المكتوب الجاهز. وتستعمل هذه المقاربة مصطلح الفرجة (spectacle)، ولكنها تفضل ، في نفس الوقت، استعمال مصطلح الإنجاز (Performance) كما لدى كروتوفسكي Grotovski، وهذه الفرجات المنجزة كما هو معلوم منظمة بشكل دقيق، وتقدم بشكل منطقي وغير عشوائي.
كما تهتم المقاربة الإثنوسينولوجية بدراسة العلاقة الموجودة بين الفرجة ومحيطها، وذلك بالتركيز على المرسل والرسالة والمرسل إليه والقناة والسياق والمرجع. ولا تقتصر المقاربة الإثنوسينولوجية على التمركز الثقافي الذاتي ، بل تدرس الإنسان الشامل في كل أنشطته الثقافية، من مأكل ومشرب ولباس وجسد ورقص، وطريقة التفكير والانفعال والرؤية والذوق والشم والسمع، كما يشير إلى ذلك مارسيل موس(Marcel Mauss ) .
وعليه، فالإثنوسينولوجيا في مضمونها العام تدرس الطقوس والثقافات الشعبية والعادات والتقاليد والظواهر الفطرية والأشكال الاحتفالية والفرجات، كما أن هذه المقاربة عبارة عن معرفة بيولوجية وثقافية للمنجز الفرجوي، ودراسة للجسد والفضاء والموسيقى والرقص في علاقة بالثقافة والمجتمع والدين. ومن هنا، فالممارسة الإثنوسينولوجية ليست فرجة جمالية وفنية فحسب، بل هي فرجة ثقافية وحضارية واجتماعية وإثنوغرافية شاملة.

الهوامش:
1 - يشرف على رئاسة وحدة الإثنوسينولوجيا داخل هذا المعهد بتونس العاصمة الدكتور محمد مسعود إدريس؛
2 - عادل حربي: محاور درامية في الثقافة السودانية، مطبعة جامعة الخرطوم، السودان، الطبعة الأولى سنة 2005م، ص:5؛
3 - عادل حربي: محاور درامية في الثقافة السودانية، ص:5-6؛
4 - جان دوفينو: سوسيولوجية المسرح، الجزء الأول، ترجمة: حافظ جمالي، وزارة الثقافة والإرشاد القومي،دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة 1976م؛
5 -Jean-Marie Pradier : La scène et la fabrique des corps.Ethnoscénologie du spectacle vivant en Occident, 5e siècle avant J.-C.-18e siècle, Presses universitaires de Bordeaux, Janvier2000 ;
6- PRADIER J. !
_ الخميس 31 يناير 2013 _
روابط ذات صلة
· زيادة حول مسرح
· الأخبار بواسطة masria


أكثر مقال قراءة عن مسرح:
مونودراما الطبل

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات

 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

المواضيع المرتبطة

مسرح

"تسجيل الدخول" | دخول/تسجيل عضو | 0 تعليقات
التعليقات مملوكة لأصحابها. نحن غير مسؤلون عن محتواها.

التعليق غير مسموح للضيوف, الرجاء التسجيل

 

السبت، 19 يناير 2013

خبار الأدب تكتب
احتفاء نادي القصة بمحافظة اسيوط برموز الأدب
احتفي نادي القصة بمحافظة اسيوط بتكريم الأديب صادق ابراهيم صادق

الاثنين، 29 أكتوبر 2012

قراءة فى نصين مسرحيين مؤتمر ديرب نجم بقلم صادق ابراهيم عضو اتحاد كتب مصر

راءة فى نصين مسرحيين
بقلم : صادق إبراهيم صادق
عضو اتحاد كتاب مصر
أولا :المسرح الواقعي فى
" يا بان آدم "لـ " احمد عبدالسلام المليجي "

ينتمي النص المسرحي " يا بان آدم " لمؤلفة أحمد عبدالسلام المليجي إلى المسرح الواقعي والذي فقدناه كثيرا في السنوات الأخيرة، حيث لجأ المؤلفون الجدد إلى المسرح العبثي والرمزى والتجريدي ، وقبل أن ندخل إلى متن النص الواقعي " يا ابن آدم " لابد ان نعرف ان الواقعية في القرن العشرين كانت حقل صراع نقدي عنيف واختلفت مدلولاتها من نظرية أدبية إلى أخرى ففى بداية القرن نجد الروائية الإنجليزية " فرجينيا وولف .. تطلق على روايتها الجديدة التجريبية وصف الواقعية وتشن هجوما عنيفا على ما أسمته بالواقعية المزيفة التي يقتنع بها بعض الكتاب الواقعيين في عصرها ، وفى ثلاثينيات القرن الماضي ينشب جدل عنيف بين بريخت وجورج لوكاتش حول تفسير معنى الواقعية في الفن فيدين لوكاتش النزعة التجريبية فى الفن باعتبارها مناهضة للأسلوب الواقعي بينما يؤكد بريخت أن الواقعية تتطلب التجريب الدائم في التشكيل الفني حتى تستطيع أن تعبر بصدق عن الواقع باعتباره عملية دائمة التحول ن وحديثا نجد ناقدا كبيرا يعرف الواقعية بأنها التناول الوجداني للعالم المحسوس الذي يبتعد عن الشطحات الفردية والعوالم اللامرئية ويعمل فيه الخيال وفى وفى اتساق تام مع عالم المحسوسات، وعلى طرف النقيض يؤكد لنا الناقد والفيلسوف الفرنسى" رولان بارت " أن أكثر الروايات واقعية لاتحيل إلى مدلول واقعي خارجها. ويؤازره " ستيفن هيت " ضمنا حين يهاجم الواقعية كما مارسها كتاب الرواية فى الغرب فى القرن التاسع عشر ويصفها بأن تشكيل لغوي لا يعبر عن العالم المحسوس أو الواقع بقدر ما يعبر عن نمط سائد فى النظر إلى العالم وتعتبره يتصل بأيديولوجية مهيمنة دينية اقتصادية واجتماعية معينة .
وقد تتساءل لماذا أصبحت الواقعية التى رصد " اورباخ " تاريخها الطويل عبر ثلاثة آلاف عام فى كتابه " المحاكاة " حيث تكمن مصطلح الواقعية ن إنه يشبه المصطلحات النقدية الأخرى مثل الملحمية أو الغنائية فى أنه يشير إلى نوع ما أو نهج ما من الإبداع الفني لكنه يختلف عن هذه المصطلحات أيضا كما يبين " ستيفين هيث " كونه يتضمن إشارة قوية إلى شئ خارج العمل الفني إلى واقع ما يرتبط بالمنتج الفني في علاقة حميمة ، ويثير ارتباط العمل الفني بشئ خارجه فى كلمة الواقعية عادة العديد من التساؤلات التي تعرض لها الفلاسفة على مر التاريخ بدءا من ارسطو ، وفى القرن العشرين ازدادت التساؤلات حول علاقة الفن بالحياة . ولهذا فعندما نتحدث عن النص المسرحي " يا ابن آدم " لمؤلفه احمد المليجي كنص مسرحي ينتمي إلى المسرح الواقعي والاجتماعى نرى أنها تتكون من ثلاثة فصول متكاملة ودلالة الاسم " يا بان آدم " تدل على ان موضوع المسرحية يرتبط بالشمولية وترتبط بالواقع الأسري الذي يختص بأسرة معينة ، ولكن لى ملاحظة على الاسم ، فاسم " يا ابن آدم " اسم مجرد " ينتمي إلى الأسلوب الرمزي إلى حد ما ، حيث انه يدل على كل البشر وهنا أيضا نستطيع القول بأن المؤلف أراد أن يعبر عن مسيرة الحياة من خلال الأسرة الفقيرة ، ففي ص3 .. تفتح الستار على صورة خلفية لعائلة إبراهيم مع موسيقى حزينة والأب إبراهيم يجلس إلى الطبلية ومعه زوجته فاطمة وأولاده على وحسن وحنان ، وهم جميعا يتبادلون الفطار البسيط ، عيش وقطعة جبن وجرجير وملح وبجوارهم القلة المشطوفة .
من خلال هذا الوصف استطاع المؤلف أن ينقلنا إلى واقع هذه الأسرة التي تنتمي إلى الأسر الفقيرة من خلال الأدوات الفنية التى نقلها لنا حتى وجبة الإفطار- جبن ،جرجير ، ملح ، القلة المشطوفة ، وحتى أسماء الشخصيات والأسرة حدد ملامحها .
إن هذا اللوصف الفني لا يكمن في صدق محاكاته للواقع ، ولكن تميزه الفني يكمن في قدرته على إيهامنا بأنه يقدم لنا مادته الخام – عناصر الواقع – كما هي ، وهكذا يبدو فى ظاهره بسيطا وسهلا للغاية ، لكنه فى حقيقة الأمر صعب وممتنع ، فالكتّاب الواقعيون عموما يمكن تقسيمهم إلى فئات وفق درجات الإبداع في ضوء نظرية " ريتشارد بيرس " فى تحليل العلامات ن فإذا اعتبرنا العمل الفني نسقا من العلامات الدالة فسنجد على أدنى مستويات سلم الإبداع من حيث هو خلق وتشكيل الكاتب الواقعي الذي يحاكي الواقع بصورة فوتوغرافية أي بلغة النقد الحديثة ، الذى يقيم نسقا من العلامات الدالة التى ترتبط ارتباطا أيقونيا بمدلول خارجي وسنجد أيضا الكاتب الذي يفرض على الواقع تفسيرا تعسفيا وسيخدم عناصر الواقع باعتبارها علامات يربطها ربطا إشاريا تعسفيا بدلالات يتم طرحها تقريرا إلى التقرير على درجة أعلى من السلم الإبداعي نجد الكاتب الواقعي الذي يمكن أن نسميه بالكاتب المجازي الذي يرتبط عمله كنسق من العلامات ارتباطا رمزيا بالعالم الخارجى وهذا الكاتب فى المسرحيات التى جرى العرف على تسميتها بمسرحيات الإسقاط ، أما على قمة سلم الإبداع فى مجال الواقعية فنجد الكاتب الذي لا يحتاج عمله حتى يتبلور معناه إلى أية إحالة خارجية بل يصبح فيه نسق العلامات هو المعنى ن ويعنى الكاتب أحمد عبدالسلام المليجي إلى هذا النوع الأخير من الكتاب فهو يبدو فى ظاهره أيقوني النزعة اي يحاكى الواقع فوتوغرافيا رغم أن الصورة الفوتوغرافية فى التحليل السيموطيقي للعلامات قد اصبحت علامة معقدة لكنه فى حقيقة الأمر لا يصور بقدر ما يبدع عالما قائما بذاته ، ويصور هذا الحوار ص5 بين إبراهيم وزوجته فاطمة والعالم الذي يحيط بهم
إبراهيم : هو فى ايه يا أم علي
فاطمة : مفيش حاجة يا اخويا ، انت كنت بس دايخ شويه ولما خت البرشامة ونمت لك شويه .. الحمد لله بقيت حلو أهو ، ربنا ما يحرمناش منك يا أبو علي .
إبراهيم : ولا يحرمنيش منك يا أم على يا غالية .. الله هو فى ايه يا ولاد ، مالكم زعلانين كده ليه .. انا حلو أهو والحمد لله
الأولاد : مفيش حاجة يا ابه بس احنا ما بنحبش نشوفك تعبان .. ربنا يخليك لينا يا با ولا يحرمناش أبدا منك .
من هذا الحوار نستطيع أن نستشف واقع الأسرة المصرية من خلال هذه الأسرة التي تخاف على عائلها وتحاول التخفيف عنه بكل السبل ويدور الحوار بعد ذلك بحلم الأب والأم بأن يريان أولادهما كبارا كمهندس أو سفير أو دكتور ، وجاء متعاقبا ومملا بعض الوقت ،ومكرر فى كثير من الأوقات ، تأكيدا منه بأنه مصمم على الحلم الذي يراود هذه الأسرة .
ففي ص11 نجد نفس المعنى في ص6
إبراهيم : ( يضم حنان إلى صدره ويطبطب عليها ويقبلها ويقول :
مفيش حاجة يا حنان يا بنتي أنا بس تعبان شويه ، عندي السكر والحمد لله على خفيف ما تخديش فى بالك انا أحسن من غيري بكتير .. كل اللى يهمنى انتوا يا ولادي انتو نور عينى وانتو فرحتى وأمل بكره انتو ... )
لاحظ التكرارات فى المعنى ولكن بمفردات مختلفة
الباب يدق : دق .. دق .. دق
هنا يقع المؤلف في مأزق ، حيث جعل الباب شخصية أيضا فلماذا لا يضعها بين قوسين كعلامات للمخرج ، وتتكرر هذه العبارة كثيرا وفى أكثر من موضع ص6 .
يدق الباب : دق .. دق .. دق
والمؤلف هنا ياتى ببعض الشخصيات النمطية الموجودة فى القرية المصرية كشخصية سعاد التي تحكي مأساة ابنها الذي سافر للخارج بعد أن باعت كل ما لديها ن وهناك مونولوج طويل جدا تحكي مأساتها ومأساة ابنها إلى أم على لتكون على مستوى أفقى مع مشكلة أم على ألا وهو الفقر.
وأيضا ص17 مشكلة الأنفار التي هاجرت إلى الخارج والتي يبحث عنها العمدة ن ولكن المؤلف ينهي هذا الحوار بأغنية أنها تجسد هذا المعنى بكثير :
إبراهيم : أيوه يا شيخ البلد خلاص كبر الولد
النفوس اتغيرت والغلابة ادمرت
والوحوش عمرت وكتيره فى البلد
ويا عالم ايه بكره حنلمه ولا حفرة
يا خوفي من بكره انا خايف ع البلد
ويأتي الفصل الثاني بعد مرور زمن نلاحظ كبر الأولاد ونجاحهم ودخولهم الجامعة ، لتظهر بعض الشخصيات الجديدة لتبارك لهم وأيضا لا ينسى المؤلف فى وسط هذه الأحداث أن يأتى لنا بمشكلة أخرى وهى مشكلة الابن الذي يتطاول على أبيه لدرجة أنه يصفع أبيه وسط الناس ص35 .
خليفة : وهى بتحبك
رجب : أكيد بتحبني
خليفة : جبت اكيد دى منين يا ابن حفيظة ، صحيح اللى اختشوا ماتوا يا بنى حكم عقلك انت فين وهى فين . ( رجب فقد أعصابه ويرفع يده على أبيه خليفة ويقول له بصوت عال )
رجب : أنت خليت فيه عقل أنا لازم أخطبها
والمؤلف لكونه شاعر أيضا فيتغلب الشاعر على المؤلف فى بعض المواضع ، ولا يكون الشعر فى مصلحة النص ، فيتحول الابن فجأة ويندم فيقول :
( لألأ .. انا رفعت صوتي على أبويا بس / لكن ما رفعتش ايدي / ومن يومها ما بشوفشى الشمس / وليلاتى دموعى على إيدي / وكل يوم ضميرى يقتلني ) .
وينتهي الفصل الثاني بسفر الأولاد إلى مصر ليحتلوا مراكز مرموقة وينسون واجبات الأسرة وذويهم .
ويأتى الفصل الثالث محملا بالدروس المستفادة التى ساقها المؤلف من القرآن الكريم لهجر الوالدين بأسلوب مباشر جدا ، أختلف معه حيث يعطى لنا من خلال الحوار التطهير الدرامي لعقوق الوالدين ، فأصبحت البنت حنان دكتورة وتتزوج من دكتور ويهتمان بالوالدين بعيدا عن الأولاد ، وفى مشهد فجائي كأفلام السينما المونودراما نلاحظ وصول الأبناء فى حالة يرثى لها ص71 .
حنان : لأ يا امه مش سائل دا المهندس على وحسن .. اتفصلوا يا بهوات
يدخل على وحسن على أمهم ويقبلوها وهم يبكيان طالبين منها السماح ويقول : ) ويتغلب الشاعر على المؤلف هنا أيضا .. فيصبح الحوار شعرا بين على وحنان .
ولا ينسى المؤلف في آخر النص أن يعطى الحل الأمثل لعلاج الأب ففى ص74
حنان : لا يا باش مهندس علاجهم عندكم أنتم دواهم حنانكم انتوا .. وجودكم معاهم .. لكن مات فيكم الضمير
على : كفاية يا دكتور .. كفاية
وفى آخر النص ص75 يموت الأب فى حجرته بعيدا عن أولاده وكان هنا فاصلا عندما دخلت حنان وزوجها الدكتور فقط وحيدا ولم يمنح الأبناء فرصة الدخول لرؤية أبيهم ، وهذه مفارقة متميزة من المؤلف
فاطمة : خير يا دكتورة حنان .ز خير يا دكتور عبدالله
عبدالله : إنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم اجعلنى من الصابرين
وينهى المؤلف نصه المسرحي بأغنية يا ابن آدم
بينما جاء الغلاف دالا على الأسرة الفقيرة من خلال اللوحة ، ويوجد إعلان عن المتحف الخاص للشاعر والأديب أحمد عبدالسلام وهو ما لا يتناسب مع النص المسرحى بل إقحام عليه ، وفى النهاية نجد كلمة تقديم للروائى محمود الديداموني ص78 .
نصيحتى للمؤلف أن يبتعد عن المباشرة التى تفقد هوية أى نص مسرحى .
ولكنى أقول أن مسرحيته تتولد فيها طبيعة التشكيل الفنى واللغوي وفى ضوء هذه الحقيقة يمكننى أن أطلق صفة المسرح الواقعي على نص يا ابن آدم لمؤلفه أحمد عبدالسلام المليجي .

ثانيا :عبدالله مهدي وفن المونودراما

عودة النوق العصافير مونودراما من تأليف عبدالله مهدي صادرة عن سلسلة خيول أدبية – قصور الثقافة – 2009 مع نص آخر هو " عودة أصحاب الرؤوس السود .

المونودراما والمونولوج :
كلمة Monodrama هى كلمة يونانية تنقسم إلى Mono وتعنى وحيد و " Drama " وتعنى الفعل وهى اصطلاحا تعنى مسرحية الممثل الواحد بمعنى أن يقوم بتشخيص المسرحية ممثل واحد فقط وهو المسئول عن إيصال رسالة المسرحية ودلالتها جنبا إلى جنب مع عناصر المسرحية الأخرى ، وفى بعض الأحيان يستعمل تعبير رديف وهو عرض الشخص الواحد One man show كما تشرحه الموسوعة البريطانية وهو حديث مطول لشخصية مسرحية ، فالمونولوج الدرامي هو أي حديث توجهه شخصية لشخصية أخرى فى المسرحية بينما المناجاة نوع من المونولوج الذى يقوله الممثل للجمهور مباشرة او يفصح عن أفكاره وما يجول فى داخله بصوت مسموع حين يكون وحيدا او حين يكون بقية الممثلين صامتين ،فثمة خلط يقع فيه الكثيرون بين المونودراما والمونولوج ، هذا الاختلاف يعنى بأن المونودراما نوع مستقل من أنواع المسرح بينما المونولوج هو جزء من المسرحية وليس نوعا منفصلا ، لذا يصبح للمونودراما أن تمتلك خصائصها ونظرياتها الخاصة وليس بالضرورة أن تكون خاضعة لاشتراطات المسرحية وإن تكن تأخذ منها بعض هذه الخصائص وتشترك معها فيها 0
وترتبط المونودراما بالأداء الفردي الذى يعتبر قديما قدم الإنسان ، فهى نتاج فن القول أو سرد القصص وهو فن له علاقة بوجود الإنسان وفعل من الأفعال التى يعبر فيها الإنسان عن كوامنه وينفس من خلال الاستماع إلى القصص أو سردها عن همومه وضجره ، ولكن المونودراما كفن ارتبط بارهاصات المسرح الأولى عند اليونانيين فمنذ نشاته اعتمد المسرح وبعد أن كان لا يعدو كونه طقوسا تعبدية على الممثل الذى انتقل مع المسرح اليوناني القديم من مرحلة السرد إلى مرحلة التمثيل مع أول ممثل فى التاريخ" ثيسبيس " والذي أخذ من اسمه المصطلح الإنجليزي Thcs Pian ويعنى ممثل أو مسرحى ، إذ يعد " ثيسبيس " مرجعا متطورا فى إعطاء المسرح نفحته الأولى والتى كان يحكى فيها حكايات يشد فيها شغف الجمهور غلى تلك التنويعة فى تقديم شخصيات مكانية من خلال الأقنعة والملابس والصوت والتكوين الجسماني ومن هنا فهو يعتبر المؤسس الأول لهذا النشاط ، فهو الذى نقل المسرح من إطاره الديني إلى الدنيوي ، فكان البذرة الأولى لما يعرف الآن بالمونودراما ، فهو يقدم مسرحياته وحيدا قبل أن يدخل أبو التراجيديا استحيلوس فى القرن الخامس الممثل الثاني على المسرح إضافة إلى الجوقة وكان الممثل الثالث قد استحدث فى المسرح على يد سوفوكليس ليخضع بعد ذلك قانون الكتابة والتمثيل للمثلين لثلاث قرون وانتهت الصيغة الحديثة للمونودراما بهذا التطوير الذى أحدثه اسخيلوس بكسر فردانية الأداء وبين هذا التاريخ والظهور الأول للمونودراما الحديثة ظهرت أشكال مسرحية تعتمد على الممثل الفرد مثل عروض الجونجلرز والذى كانت تقدمه بعض الفرق الجوالة وهو شكل من أشكال المايم من زمن الرومان إضافة إلى فن البانتومايم ، وهو أن يقوم ممثل واحد بأداء عمل درامي إيمائيا وعادة ما يكون عرضا منفردا .
والمونودراما الحديثة كما هى معروفة اليوم يعود تاريخ ظهورها كما تشير الدراسات غلى القرن الثامن عشر على يد الممثل والكاتب المسرحى ط جوهان كرستيان براندير "( 1735- 1799)، الذى اعاد الحياة لفن ثيبستين واستحضره فى مسرحياته التى كان يقدمها بنفسه وبشخصية واحدة بمرافقة الجوقة ، ويعود أول نص مسرحى يصنف كمونودراما مكتملة الشروط الفنية إلى الفيلسوف والمفكر الفرنسى جان جاك روسو، وكان ذلك عام 1760 وهو نصه بجماليون ولكن من أطلق مسمى مونودراما على نصه ( مود ) كان الشاعر الفريد تيسون فى عام 1855 ،لاحقا بدأت نصوص المونودراما تتكاثر ويرتفع لها الصوت فكتب تشيكوف نصه الشهير ( ضرر التبغ ) ووصفه بالمونولوج فى فصل واحد بينما كتب صمويل بكيث ( شريط كراب الأخير ) والذى اعتنى بالمونودراما ووجدها انسب الأشكال المسرحية للتعبير عن العينة والتى تقوم على عزلة الفرد واستحالة التواصل الاجتماعى ، وكتب الفرنسى كوكتو نصه ( الصوت الإنساني )وكذلك كتب يوجين قبل الإفطار .
هذا الاحتفاء بفن المونودراما من قبل كتاب مسرحيين معروفين فتح الباب لتفعيل هذا النوع من الفن المنبعث من زمن الإغريق والاشتغال عليه من قبل كتاب ومخرجين وبالذات من ممثلين ، ويتجلى الاهتمام بهذا الفن عالميا بتخصيص مهرجانات تلتقى فيها الفرق التى تقوم على عروض المونودراما وأشهرها مهرجان ثيبيس العالمى للمونودراما فى ألمانيا الذى يقام سنويا .

عودة النوق العصافير هل حققت المونودراما وخاصيتها ؟
تقترب المونودراما من المسرحية العادية فى تقنية الكتابة من الوضعية الاستهلالية والوضعية الأساسية وحبكة رصينة وحدث صاعد وذروة وحدث متهاو وحل وتقترب فى الرؤى الإخراجية واشتغالات السينوغرافيا وفى تقنيات أداء الممثل إلا أنها تمتلك خصائصها التى تمايزها عن المسرحية متعددة الشخصيات وهذا لايعنى أن ثمة قوانين تحكم الكتابة المونودرامية أو تحكم تنفيذ العرض المونودرامي إلا أنه يمكن من خلال قراءة نص مونودرامي استنتاج خصائص هذه الكتابة .
1 - من حيث الموضوع : غالبا ما تكون موضوعات المونودراما مأسوية الطابع ناتجة عن تجربة ذاتية مريرة ، هذه المأسوية هى ما يفتح الأسئلة المصيرية والكونية والوجودية .
شخصية " مي " فى مونودراما عودة النوق العصافير شخصية منهزمة سيطر عليها خطيبها السابق ففى ص8 يقول : ( تدخل من الحجرة فى إعياء تام يحملها اثنان يضعانها على السرير ويتركانها ، فهى شخصية سلبية تسيطر عليها أمها ثم خطيبها ، ففى ص9 تقول : ( لقد فتحت عيني على شخصية أمى ... ملكة .. تأمر .. وعلى الرعية التنفيذ .. هكذا شبهتها لى .. )
وخطيبها يسيطر عليها سيطرة كاملة ويبدأ فى تعرية الشخاص امامها حتى يكون هو كيانها الروحي والمعنوى ففى ص10 ( ساعدتنى على أن يكون لى حياتى وحكمى قررت الخروج من قيظ أمى أخذتنى خطوة خطوة .. لم أطق بعدك .. الكل نظر إلى ..) .
2- الزمن : يكون الزمن فى المونودراما ملحمى البعد بمعنى ان يكون متعدد المستويات ، ويكون للزمن الحاضر النصيب الأكبر ويمكن أن تختلط المستويات دون تسلسل منطقي ، والزمن هنا متعدد المستويات حيث يكون فى الحاضر ثم يعود للماضى ففى ص14 ( تتذكر ... ) .
فى اليوم التالى سالنى : والدك لم يتحدث فى شئ هل له تحفظ على شئ .؟
بالعكس والدى من أكبر المتحمسين لك
سكت قليلا وقال : فهمت .. ربنا يسترها
ثم ترجع فى الزمن مرة ثانية إلى الحاضر ففى ص15 يقول ( تمد يدها وتقلب الكتب الموجودة على المكتب فنجد دفترا كبيرا مكتوب علي ثلاث مذكرات ) فمذكرات هى الماضى والحاضر والمستقبل فالزمن هنا متعدد المستويات .
3- المكان : متعدد المستويات فى المونودراما حيث تستحضر الشخصية الوحيدة ملامح الأمكنة خلال عملية التداعى الفكرى ، حيث استطاع عبدالله مهدى أن يحقق هذا الشرط حيث تختلف الأماكن فى الحديث عن علاقة مجدى بمجلس الإدارة وأصدقائه وفى صفحته نساء فى حياتي .
4 – اللغة : تميل لغة الحوار فى النص المونودرامي إلى السرد وصيغة الفعل الماضى لأنها تعتمد غالبا على تداعى الأفكار ، ففى ص17 يقول ( حكيت لى عن ناهد العضو فى اتحاد الطلاب والقيادية فى حزب وحدوى فى البداية حاولت استقطابك لحزبها كما حاولت التيارات السلفية ذلك .. لما سألتك .. كانت جميلة .
5- الشخصيات : يعتمد النص المونودرامى على شخصية واحدها يكون حضورها فعليا بينما يكون حضور بقية الشخصيات متى ما اعتمد الكاتب حضورها كمقترح لتجاوز الوحدانية مجازيا وهذا ما تحقق فى عودة النوق العصافير ، ففى ص7 .
مي : فى الخامسة والعشرين من عمرها .. وجهها شاحب وعيناها حزينتان .. شعرها طويل ناعم فكت ضفائره ترتدى ملسا وتنتعل خفا مناسبا للملس .. مدرسة لغة عربية .
هنا وصف كامل للشخصية ، وفى استدعائها لشخصيات الأم – مجدى – أصدقاء مجدى .
6- الصراع : يقوم الصراع فى بنية الحدث الدرامي على تنامى الحدث وتصعيده من خلال ما يخلقه من التصادم والتعارض بين أطرافه ليستولد الزمات حيث جوهر الدراما والصراع نوعان ، الصراع الداخلى ويتجلى فى الصراع بين الإنسان ونفسه وعواطفه ، والصراع الخارجى ويتجلى فى الصراع بين الإنسان وشخصية أخرى مضادة او مع الطبيعة وظواهرها او مع المحيط والمجتمع او مع قوى كبرى ( القدر – الموت – الزمن ).
وفى المونودراما تختزل كافة تجليات وأشكال الصراع فى الصراع الداخلى ، حيث تنمو حالة التداعى وتبرز الحالة الوجدانية . والبطل فى المونودراما يكون عرضة لكل أشكال الصراعات التى تواجه الإنسان .
وبالعودة للقاموس نجد أن " النوق العصافير " هى نوع من الإبل ، وهى نوق عنترة بن شداد وهى سلالة وهجين بنى عبس وموجودة ايضا لدى الرشايدة بالسودان وهم مشهورون بالفروسية خاصة سباق الإبل(الهجن ) . فماذا يقصد بالعنوان وهو بعيد كل البعد عن دلالة النص المسرحي ؟ وعبدالله مهدى بنصه المونودراما كاتب واسع الخيال وصاحب رؤية تمكنه من ضبط السرد والترهل الذى يمكن ان يتبع عن طبيعة اللغة فى هذا النوع من الكتابة ، وكاتب متمكن من تصعيد الحالة الدرامية بشخصية واحدة إذ يتحول الفعل التبادلى فى المسرحية متعددة الشخصيات إلى فعل ذاتي يقوم الكاتب أثناءه بتحفيز شخصية واحدة ويدفعها نحو التطور والنمو ويحدد ردود أفعالها أثناء نمو الحدث .
المونودراما تحتاج إلى كاتب شغله قضايا ذات اهمية يتناولها بعمق ومن خلال عملية الكشف الكامنة فى الصراع الداخلى التى تعيشه الشخصية والتى يجب ان تمتلك ديناميكيتها على الخشبة ، شخصية غير ساكنة تمتلك لغتها المسرحية بحيويتها والبعيدة عن الخطابات والشعارات ، نعم كتابة المونودراما تختلف عن كتابة النص متعدد الشخصيات ويمكن القول بأن النص المونودرامي أصعب فى الكتابة من النص المسرحى المألوف فهو نص يمتلك استثنائيته وخصائصه ن وهذا ما حققه المؤلف عبدالله مهدى فى مسرحيته المونودراما " عودة النوق العصافير "
المراجع :
1. مسرحية يا ابن آدم – أحمد عبدالسلام المليجي – دار الأجيال
2. تطوير الأداء الفني فى ادب المسرح العربى المعاصر – السعيد الورقى – دار المعرفة الجامعية 2002
3. المسرح الواقعى اسلوبه وكتاباته – مجلة المسرح – عدد 30
4. تجارب مسرحية – عبدالفتاح قلعة جى- الكويت – مجلة الكويت – عدد 215 سبتمبر 2001
5. المسرح فى الوطن العربى – د. على الراعي – عالم المعرفة
6. فنون الكوميديا من خيال الظل إلى نجيب الريحاني – القاهرة – كتاب الهلال – عدد 248 سبتمبر 1971
7. المسرح والتكنولوجيا الحديثة – صادق إبراهيم صادق 2001
8. التكامل الفني للنص المسرحي – الكس بوبوف – ت . شريف شاكر –دمشق – منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي 1976
9. عبدالله مهدى – عودة النوق العصافير – قصور الثقافة 2009
10. صادق إبراهيم صادق – المونودراما .. اشكالية التلقى – مجلة إبداع – العدد 10
11. فرحان بليل – النص المسرحى الكلمة والفعل 2003 – اتحاد الكتاب العرب
12. صمويل بكيث – شريط كراب الأخير – المسرح العالمى – الكويت – العدد 110
13. على أحمد باكثير – فن المسرحية من خلال تجاربى الشخصية – مكتبة مصر ط3 – 1985
14. د. نهاد صليحة – فن المونودراما – مجلة المسرح — مع د.صابر عبدالدايم و 4 آخرين.
قراءة فى نصين مسرحيين بقلم : صادق إبراهيم صادق عضو اتحاد كتاب مصر أولا :المسرح الواقعي فى " يا بان آدم "لـ " احمد عبدالسلام المليجي " ينتمي النص المسرحي " يا بان آدم " لمؤلفة أحمد عبدالسلام المليجي إلى المسرح الواقعي والذي فقدناه كثيرا في السنوات الأخيرة، حيث لجأ المؤلفون الجدد إلى المسرح العبثي والرمزى والتجريدي ، وقبل أن ندخل إلى متن النص الواقعي " يا ابن آدم " لابد ان نعرف ان الواقعية في القرن العشرين كانت حقل صراع نقدي عنيف واختلفت مدلولاتها من نظرية أدبية إلى أخرى ففى بداية القرن نجد الروائية الإنجليزية " فرجينيا وولف .. تطلق على روايتها الجديدة التجريبية وصف الواقعية وتشن هجوما عنيفا على ما أسمته بالواقعية المزيفة التي يقتنع بها بعض الكتاب الواقعيين في عصرها ، وفى ثلاثينيات القرن الماضي ينشب جدل عنيف بين بريخت وجورج لوكاتش حول تفسير معنى الواقعية في الفن فيدين لوكاتش النزعة التجريبية فى الفن باعتبارها مناهضة للأسلوب الواقعي بينما يؤكد بريخت أن الواقعية تتطلب التجريب الدائم في التشكيل الفني حتى تستطيع أن تعبر بصدق عن الواقع باعتباره عملية دائمة التحول ن وحديثا نجد ناقدا كبيرا يعرف الواقعية بأنها التناول الوجداني للعالم المحسوس الذي يبتعد عن الشطحات الفردية والعوالم اللامرئية ويعمل فيه الخيال وفى وفى اتساق تام مع عالم المحسوسات، وعلى طرف النقيض يؤكد لنا الناقد والفيلسوف الفرنسى" رولان بارت " أن أكثر الروايات واقعية لاتحيل إلى مدلول واقعي خارجها. ويؤازره " ستيفن هيت " ضمنا حين يهاجم الواقعية كما مارسها كتاب الرواية فى الغرب فى القرن التاسع عشر ويصفها بأن تشكيل لغوي لا يعبر عن العالم المحسوس أو الواقع بقدر ما يعبر عن نمط سائد فى النظر إلى العالم وتعتبره يتصل بأيديولوجية مهيمنة دينية اقتصادية واجتماعية معينة . وقد تتساءل لماذا أصبحت الواقعية التى رصد " اورباخ " تاريخها الطويل عبر ثلاثة آلاف عام فى كتابه " المحاكاة " حيث تكمن مصطلح الواقعية ن إنه يشبه المصطلحات النقدية الأخرى مثل الملحمية أو الغنائية فى أنه يشير إلى نوع ما أو نهج ما من الإبداع الفني لكنه يختلف عن هذه المصطلحات أيضا كما يبين " ستيفين هيث " كونه يتضمن إشارة قوية إلى شئ خارج العمل الفني إلى واقع ما يرتبط بالمنتج الفني في علاقة حميمة ، ويثير ارتباط العمل الفني بشئ خارجه فى كلمة الواقعية عادة العديد من التساؤلات التي تعرض لها الفلاسفة على مر التاريخ بدءا من ارسطو ، وفى القرن العشرين ازدادت التساؤلات حول علاقة الفن بالحياة . ولهذا فعندما نتحدث عن النص المسرحي " يا ابن آدم " لمؤلفه احمد المليجي كنص مسرحي ينتمي إلى المسرح الواقعي والاجتماعى نرى أنها تتكون من ثلاثة فصول متكاملة ودلالة الاسم " يا بان آدم " تدل على ان موضوع المسرحية يرتبط بالشمولية وترتبط بالواقع الأسري الذي يختص بأسرة معينة ، ولكن لى ملاحظة على الاسم ، فاسم " يا ابن آدم " اسم مجرد " ينتمي إلى الأسلوب الرمزي إلى حد ما ، حيث انه يدل على كل البشر وهنا أيضا نستطيع القول بأن المؤلف أراد أن يعبر عن مسيرة الحياة من خلال الأسرة الفقيرة ، ففي ص3 .. تفتح الستار على صورة خلفية لعائلة إبراهيم مع موسيقى حزينة والأب إبراهيم يجلس إلى الطبلية ومعه زوجته فاطمة وأولاده على وحسن وحنان ، وهم جميعا يتبادلون الفطار البسيط ، عيش وقطعة جبن وجرجير وملح وبجوارهم القلة المشطوفة . من خلال هذا الوصف استطاع المؤلف أن ينقلنا إلى واقع هذه الأسرة التي تنتمي إلى الأسر الفقيرة من خلال الأدوات الفنية التى نقلها لنا حتى وجبة الإفطار- جبن ،جرجير ، ملح ، القلة المشطوفة ، وحتى أسماء الشخصيات والأسرة حدد ملامحها . إن هذا اللوصف الفني لا يكمن في صدق محاكاته للواقع ، ولكن تميزه الفني يكمن في قدرته على إيهامنا بأنه يقدم لنا مادته الخام – عناصر الواقع – كما هي ، وهكذا يبدو فى ظاهره بسيطا وسهلا للغاية ، لكنه فى حقيقة الأمر صعب وممتنع ، فالكتّاب الواقعيون عموما يمكن تقسيمهم إلى فئات وفق درجات الإبداع في ضوء نظرية " ريتشارد بيرس " فى تحليل العلامات ن فإذا اعتبرنا العمل الفني نسقا من العلامات الدالة فسنجد على أدنى مستويات سلم الإبداع من حيث هو خلق وتشكيل الكاتب الواقعي الذي يحاكي الواقع بصورة فوتوغرافية أي بلغة النقد الحديثة ، الذى يقيم نسقا من العلامات الدالة التى ترتبط ارتباطا أيقونيا بمدلول خارجي وسنجد أيضا الكاتب الذي يفرض على الواقع تفسيرا تعسفيا وسيخدم عناصر الواقع باعتبارها علامات يربطها ربطا إشاريا تعسفيا بدلالات يتم طرحها تقريرا إلى التقرير على درجة أعلى من السلم الإبداعي نجد الكاتب الواقعي الذي يمكن أن نسميه بالكاتب المجازي الذي يرتبط عمله كنسق من العلامات ارتباطا رمزيا بالعالم الخارجى وهذا الكاتب فى المسرحيات التى جرى العرف على تسميتها بمسرحيات الإسقاط ، أما على قمة سلم الإبداع فى مجال الواقعية فنجد الكاتب الذي لا يحتاج عمله حتى يتبلور معناه إلى أية إحالة خارجية بل يصبح فيه نسق العلامات هو المعنى ن ويعنى الكاتب أحمد عبدالسلام المليجي إلى هذا النوع الأخير من الكتاب فهو يبدو فى ظاهره أيقوني النزعة اي يحاكى الواقع فوتوغرافيا رغم أن الصورة الفوتوغرافية فى التحليل السيموطيقي للعلامات قد اصبحت علامة معقدة لكنه فى حقيقة الأمر لا يصور بقدر ما يبدع عالما قائما بذاته ، ويصور هذا الحوار ص5 بين إبراهيم وزوجته فاطمة والعالم الذي يحيط بهم إبراهيم : هو فى ايه يا أم علي فاطمة : مفيش حاجة يا اخويا ، انت كنت بس دايخ شويه ولما خت البرشامة ونمت لك شويه .. الحمد لله بقيت حلو أهو ، ربنا ما يحرمناش منك يا أبو علي . إبراهيم : ولا يحرمنيش منك يا أم على يا غالية .. الله هو فى ايه يا ولاد ، مالكم زعلانين كده ليه .. انا حلو أهو والحمد لله الأولاد : مفيش حاجة يا ابه بس احنا ما بنحبش نشوفك تعبان .. ربنا يخليك لينا يا با ولا يحرمناش أبدا منك . من هذا الحوار نستطيع أن نستشف واقع الأسرة المصرية من خلال هذه الأسرة التي تخاف على عائلها وتحاول التخفيف عنه بكل السبل ويدور الحوار بعد ذلك بحلم الأب والأم بأن يريان أولادهما كبارا كمهندس أو سفير أو دكتور ، وجاء متعاقبا ومملا بعض الوقت ،ومكرر فى كثير من الأوقات ، تأكيدا منه بأنه مصمم على الحلم الذي يراود هذه الأسرة . ففي ص11 نجد نفس المعنى في ص6 إبراهيم : ( يضم حنان إلى صدره ويطبطب عليها ويقبلها ويقول : مفيش حاجة يا حنان يا بنتي أنا بس تعبان شويه ، عندي السكر والحمد لله على خفيف ما تخديش فى بالك انا أحسن من غيري بكتير .. كل اللى يهمنى انتوا يا ولادي انتو نور عينى وانتو فرحتى وأمل بكره انتو ... ) لاحظ التكرارات فى المعنى ولكن بمفردات مختلفة الباب يدق : دق .. دق .. دق هنا يقع المؤلف في مأزق ، حيث جعل الباب شخصية أيضا فلماذا لا يضعها بين قوسين كعلامات للمخرج ، وتتكرر هذه العبارة كثيرا وفى أكثر من موضع ص6 . يدق الباب : دق .. دق .. دق والمؤلف هنا ياتى ببعض الشخصيات النمطية الموجودة فى القرية المصرية كشخصية سعاد التي تحكي مأساة ابنها الذي سافر للخارج بعد أن باعت كل ما لديها ن وهناك مونولوج طويل جدا تحكي مأساتها ومأساة ابنها إلى أم على لتكون على مستوى أفقى مع مشكلة أم على ألا وهو الفقر. وأيضا ص17 مشكلة الأنفار التي هاجرت إلى الخارج والتي يبحث عنها العمدة ن ولكن المؤلف ينهي هذا الحوار بأغنية أنها تجسد هذا المعنى بكثير : إبراهيم : أيوه يا شيخ البلد خلاص كبر الولد النفوس اتغيرت والغلابة ادمرت والوحوش عمرت وكتيره فى البلد ويا عالم ايه بكره حنلمه ولا حفرة يا خوفي من بكره انا خايف ع البلد ويأتي الفصل الثاني بعد مرور زمن نلاحظ كبر الأولاد ونجاحهم ودخولهم الجامعة ، لتظهر بعض الشخصيات الجديدة لتبارك لهم وأيضا لا ينسى المؤلف فى وسط هذه الأحداث أن يأتى لنا بمشكلة أخرى وهى مشكلة الابن الذي يتطاول على أبيه لدرجة أنه يصفع أبيه وسط الناس ص35 . خليفة : وهى بتحبك رجب : أكيد بتحبني خليفة : جبت اكيد دى منين يا ابن حفيظة ، صحيح اللى اختشوا ماتوا يا بنى حكم عقلك انت فين وهى فين . ( رجب فقد أعصابه ويرفع يده على أبيه خليفة ويقول له بصوت عال ) رجب : أنت خليت فيه عقل أنا لازم أخطبها والمؤلف لكونه شاعر أيضا فيتغلب الشاعر على المؤلف فى بعض المواضع ، ولا يكون الشعر فى مصلحة النص ، فيتحول الابن فجأة ويندم فيقول : ( لألأ .. انا رفعت صوتي على أبويا بس / لكن ما رفعتش ايدي / ومن يومها ما بشوفشى الشمس / وليلاتى دموعى على إيدي / وكل يوم ضميرى يقتلني ) . وينتهي الفصل الثاني بسفر الأولاد إلى مصر ليحتلوا مراكز مرموقة وينسون واجبات الأسرة وذويهم . ويأتى الفصل الثالث محملا بالدروس المستفادة التى ساقها المؤلف من القرآن الكريم لهجر الوالدين بأسلوب مباشر جدا ، أختلف معه حيث يعطى لنا من خلال الحوار التطهير الدرامي لعقوق الوالدين ، فأصبحت البنت حنان دكتورة وتتزوج من دكتور ويهتمان بالوالدين بعيدا عن الأولاد ، وفى مشهد فجائي كأفلام السينما المونودراما نلاحظ وصول الأبناء فى حالة يرثى لها ص71 . حنان : لأ يا امه مش سائل دا المهندس على وحسن .. اتفصلوا يا بهوات يدخل على وحسن على أمهم ويقبلوها وهم يبكيان طالبين منها السماح ويقول : ) ويتغلب الشاعر على المؤلف هنا أيضا .. فيصبح الحوار شعرا بين على وحنان . ولا ينسى المؤلف في آخر النص أن يعطى الحل الأمثل لعلاج الأب ففى ص74 حنان : لا يا باش مهندس علاجهم عندكم أنتم دواهم حنانكم انتوا .. وجودكم معاهم .. لكن مات فيكم الضمير على : كفاية يا دكتور .. كفاية وفى آخر النص ص75 يموت الأب فى حجرته بعيدا عن أولاده وكان هنا فاصلا عندما دخلت حنان وزوجها الدكتور فقط وحيدا ولم يمنح الأبناء فرصة الدخول لرؤية أبيهم ، وهذه مفارقة متميزة من المؤلف فاطمة : خير يا دكتورة حنان .ز خير يا دكتور عبدالله عبدالله : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اجعلنى من الصابرين وينهى المؤلف نصه المسرحي بأغنية يا ابن آدم بينما جاء الغلاف دالا على الأسرة الفقيرة من خلال اللوحة ، ويوجد إعلان عن المتحف الخاص للشاعر والأديب أحمد عبدالسلام وهو ما لا يتناسب مع النص المسرحى بل إقحام عليه ، وفى النهاية نجد كلمة تقديم للروائى محمود الديداموني ص78 . نصيحتى للمؤلف أن يبتعد عن المباشرة التى تفقد هوية أى نص مسرحى . ولكنى أقول أن مسرحيته تتولد فيها طبيعة التشكيل الفنى واللغوي وفى ضوء هذه الحقيقة يمكننى أن أطلق صفة المسرح الواقعي على نص يا ابن آدم لمؤلفه أحمد عبدالسلام المليجي . ثانيا :عبدالله مهدي وفن المونودراما عودة النوق العصافير مونودراما من تأليف عبدالله مهدي صادرة عن سلسلة خيول أدبية – قصور الثقافة – 2009 مع نص آخر هو " عودة أصحاب الرؤوس السود . المونودراما والمونولوج : كلمة Monodrama هى كلمة يونانية تنقسم إلى Mono وتعنى وحيد و " Drama " وتعنى الفعل وهى اصطلاحا تعنى مسرحية الممثل الواحد بمعنى أن يقوم بتشخيص المسرحية ممثل واحد فقط وهو المسئول عن إيصال رسالة المسرحية ودلالتها جنبا إلى جنب مع عناصر المسرحية الأخرى ، وفى بعض الأحيان يستعمل تعبير رديف وهو عرض الشخص الواحد One man show كما تشرحه الموسوعة البريطانية وهو حديث مطول لشخصية مسرحية ، فالمونولوج الدرامي هو أي حديث توجهه شخصية لشخصية أخرى فى المسرحية بينما المناجاة نوع من المونولوج الذى يقوله الممثل للجمهور مباشرة او يفصح عن أفكاره وما يجول فى داخله بصوت مسموع حين يكون وحيدا او حين يكون بقية الممثلين صامتين ،فثمة خلط يقع فيه الكثيرون بين المونودراما والمونولوج ، هذا الاختلاف يعنى بأن المونودراما نوع مستقل من أنواع المسرح بينما المونولوج هو جزء من المسرحية وليس نوعا منفصلا ، لذا يصبح للمونودراما أن تمتلك خصائصها ونظرياتها الخاصة وليس بالضرورة أن تكون خاضعة لاشتراطات المسرحية وإن تكن تأخذ منها بعض هذه الخصائص وتشترك معها فيها 0 وترتبط المونودراما بالأداء الفردي الذى يعتبر قديما قدم الإنسان ، فهى نتاج فن القول أو سرد القصص وهو فن له علاقة بوجود الإنسان وفعل من الأفعال التى يعبر فيها الإنسان عن كوامنه وينفس من خلال الاستماع إلى القصص أو سردها عن همومه وضجره ، ولكن المونودراما كفن ارتبط بارهاصات المسرح الأولى عند اليونانيين فمنذ نشاته اعتمد المسرح وبعد أن كان لا يعدو كونه طقوسا تعبدية على الممثل الذى انتقل مع المسرح اليوناني القديم من مرحلة السرد إلى مرحلة التمثيل مع أول ممثل فى التاريخ" ثيسبيس " والذي أخذ من اسمه المصطلح الإنجليزي Thcs Pian ويعنى ممثل أو مسرحى ، إذ يعد " ثيسبيس " مرجعا متطورا فى إعطاء المسرح نفحته الأولى والتى كان يحكى فيها حكايات يشد فيها شغف الجمهور غلى تلك التنويعة فى تقديم شخصيات مكانية من خلال الأقنعة والملابس والصوت والتكوين الجسماني ومن هنا فهو يعتبر المؤسس الأول لهذا النشاط ، فهو الذى نقل المسرح من إطاره الديني إلى الدنيوي ، فكان البذرة الأولى لما يعرف الآن بالمونودراما ، فهو يقدم مسرحياته وحيدا قبل أن يدخل أبو التراجيديا استحيلوس فى القرن الخامس الممثل الثاني على المسرح إضافة إلى الجوقة وكان الممثل الثالث قد استحدث فى المسرح على يد سوفوكليس ليخضع بعد ذلك قانون الكتابة والتمثيل للمثلين لثلاث قرون وانتهت الصيغة الحديثة للمونودراما بهذا التطوير الذى أحدثه اسخيلوس بكسر فردانية الأداء وبين هذا التاريخ والظهور الأول للمونودراما الحديثة ظهرت أشكال مسرحية تعتمد على الممثل الفرد مثل عروض الجونجلرز والذى كانت تقدمه بعض الفرق الجوالة وهو شكل من أشكال المايم من زمن الرومان إضافة إلى فن البانتومايم ، وهو أن يقوم ممثل واحد بأداء عمل درامي إيمائيا وعادة ما يكون عرضا منفردا . والمونودراما الحديثة كما هى معروفة اليوم يعود تاريخ ظهورها كما تشير الدراسات غلى القرن الثامن عشر على يد الممثل والكاتب المسرحى ط جوهان كرستيان براندير "( 1735- 1799)، الذى اعاد الحياة لفن ثيبستين واستحضره فى مسرحياته التى كان يقدمها بنفسه وبشخصية واحدة بمرافقة الجوقة ، ويعود أول نص مسرحى يصنف كمونودراما مكتملة الشروط الفنية إلى الفيلسوف والمفكر الفرنسى جان جاك روسو، وكان ذلك عام 1760 وهو نصه بجماليون ولكن من أطلق مسمى مونودراما على نصه ( مود ) كان الشاعر الفريد تيسون فى عام 1855 ،لاحقا بدأت نصوص المونودراما تتكاثر ويرتفع لها الصوت فكتب تشيكوف نصه الشهير ( ضرر التبغ ) ووصفه بالمونولوج فى فصل واحد بينما كتب صمويل بكيث ( شريط كراب الأخير ) والذى اعتنى بالمونودراما ووجدها انسب الأشكال المسرحية للتعبير عن العينة والتى تقوم على عزلة الفرد واستحالة التواصل الاجتماعى ، وكتب الفرنسى كوكتو نصه ( الصوت الإنساني )وكذلك كتب يوجين قبل الإفطار . هذا الاحتفاء بفن المونودراما من قبل كتاب مسرحيين معروفين فتح الباب لتفعيل هذا النوع من الفن المنبعث من زمن الإغريق والاشتغال عليه من قبل كتاب ومخرجين وبالذات من ممثلين ، ويتجلى الاهتمام بهذا الفن عالميا بتخصيص مهرجانات تلتقى فيها الفرق التى تقوم على عروض المونودراما وأشهرها مهرجان ثيبيس العالمى للمونودراما فى ألمانيا الذى يقام سنويا . عودة النوق العصافير هل حققت المونودراما وخاصيتها ؟ تقترب المونودراما من المسرحية العادية فى تقنية الكتابة من الوضعية الاستهلالية والوضعية الأساسية وحبكة رصينة وحدث صاعد وذروة وحدث متهاو وحل وتقترب فى الرؤى الإخراجية واشتغالات السينوغرافيا وفى تقنيات أداء الممثل إلا أنها تمتلك خصائصها التى تمايزها عن المسرحية متعددة الشخصيات وهذا لايعنى أن ثمة قوانين تحكم الكتابة المونودرامية أو تحكم تنفيذ العرض المونودرامي إلا أنه يمكن من خلال قراءة نص مونودرامي استنتاج خصائص هذه الكتابة . 1 - من حيث الموضوع : غالبا ما تكون موضوعات المونودراما مأسوية الطابع ناتجة عن تجربة ذاتية مريرة ، هذه المأسوية هى ما يفتح الأسئلة المصيرية والكونية والوجودية . شخصية " مي " فى مونودراما عودة النوق العصافير شخصية منهزمة سيطر عليها خطيبها السابق ففى ص8 يقول : ( تدخل من الحجرة فى إعياء تام يحملها اثنان يضعانها على السرير ويتركانها ، فهى شخصية سلبية تسيطر عليها أمها ثم خطيبها ، ففى ص9 تقول : ( لقد فتحت عيني على شخصية أمى ... ملكة .. تأمر .. وعلى الرعية التنفيذ .. هكذا شبهتها لى .. ) وخطيبها يسيطر عليها سيطرة كاملة ويبدأ فى تعرية الشخاص امامها حتى يكون هو كيانها الروحي والمعنوى ففى ص10 ( ساعدتنى على أن يكون لى حياتى وحكمى قررت الخروج من قيظ أمى أخذتنى خطوة خطوة .. لم أطق بعدك .. الكل نظر إلى ..) . 2- الزمن : يكون الزمن فى المونودراما ملحمى البعد بمعنى ان يكون متعدد المستويات ، ويكون للزمن الحاضر النصيب الأكبر ويمكن أن تختلط المستويات دون تسلسل منطقي ، والزمن هنا متعدد المستويات حيث يكون فى الحاضر ثم يعود للماضى ففى ص14 ( تتذكر ... ) . فى اليوم التالى سالنى : والدك لم يتحدث فى شئ هل له تحفظ على شئ .؟ بالعكس والدى من أكبر المتحمسين لك سكت قليلا وقال : فهمت .. ربنا يسترها ثم ترجع فى الزمن مرة ثانية إلى الحاضر ففى ص15 يقول ( تمد يدها وتقلب الكتب الموجودة على المكتب فنجد دفترا كبيرا مكتوب علي ثلاث مذكرات ) فمذكرات هى الماضى والحاضر والمستقبل فالزمن هنا متعدد المستويات . 3- المكان : متعدد المستويات فى المونودراما حيث تستحضر الشخصية الوحيدة ملامح الأمكنة خلال عملية التداعى الفكرى ، حيث استطاع عبدالله مهدى أن يحقق هذا الشرط حيث تختلف الأماكن فى الحديث عن علاقة مجدى بمجلس الإدارة وأصدقائه وفى صفحته نساء فى حياتي . 4 – اللغة : تميل لغة الحوار فى النص المونودرامي إلى السرد وصيغة الفعل الماضى لأنها تعتمد غالبا على تداعى الأفكار ، ففى ص17 يقول ( حكيت لى عن ناهد العضو فى اتحاد الطلاب والقيادية فى حزب وحدوى فى البداية حاولت استقطابك لحزبها كما حاولت التيارات السلفية ذلك .. لما سألتك .. كانت جميلة . 5- الشخصيات : يعتمد النص المونودرامى على شخصية واحدها يكون حضورها فعليا بينما يكون حضور بقية الشخصيات متى ما اعتمد الكاتب حضورها كمقترح لتجاوز الوحدانية مجازيا وهذا ما تحقق فى عودة النوق العصافير ، ففى ص7 . مي : فى الخامسة والعشرين من عمرها .. وجهها شاحب وعيناها حزينتان .. شعرها طويل ناعم فكت ضفائره ترتدى ملسا وتنتعل خفا مناسبا للملس .. مدرسة لغة عربية . هنا وصف كامل للشخصية ، وفى استدعائها لشخصيات الأم – مجدى – أصدقاء مجدى . 6- الصراع : يقوم الصراع فى بنية الحدث الدرامي على تنامى الحدث وتصعيده من خلال ما يخلقه من التصادم والتعارض بين أطرافه ليستولد الزمات حيث جوهر الدراما والصراع نوعان ، الصراع الداخلى ويتجلى فى الصراع بين الإنسان ونفسه وعواطفه ، والصراع الخارجى ويتجلى فى الصراع بين الإنسان وشخصية أخرى مضادة او مع الطبيعة وظواهرها او مع المحيط والمجتمع او مع قوى كبرى ( القدر – الموت – الزمن ). وفى المونودراما تختزل كافة تجليات وأشكال الصراع فى الصراع الداخلى ، حيث تنمو حالة التداعى وتبرز الحالة الوجدانية . والبطل فى المونودراما يكون عرضة لكل أشكال الصراعات التى تواجه الإنسان . وبالعودة للقاموس نجد أن " النوق العصافير " هى نوع من الإبل ، وهى نوق عنترة بن شداد وهى سلالة وهجين بنى عبس وموجودة ايضا لدى الرشايدة بالسودان وهم مشهورون بالفروسية خاصة سباق الإبل(الهجن ) . فماذا يقصد بالعنوان وهو بعيد كل البعد عن دلالة النص المسرحي ؟ وعبدالله مهدى بنصه المونودراما كاتب واسع الخيال وصاحب رؤية تمكنه من ضبط السرد والترهل الذى يمكن ان يتبع عن طبيعة اللغة فى هذا النوع من الكتابة ، وكاتب متمكن من تصعيد الحالة الدرامية بشخصية واحدة إذ يتحول الفعل التبادلى فى المسرحية متعددة الشخصيات إلى فعل ذاتي يقوم الكاتب أثناءه بتحفيز شخصية واحدة ويدفعها نحو التطور والنمو ويحدد ردود أفعالها أثناء نمو الحدث . المونودراما تحتاج إلى كاتب شغله قضايا ذات اهمية يتناولها بعمق ومن خلال عملية الكشف الكامنة فى الصراع الداخلى التى تعيشه الشخصية والتى يجب ان تمتلك ديناميكيتها على الخشبة ، شخصية غير ساكنة تمتلك لغتها المسرحية بحيويتها والبعيدة عن الخطابات والشعارات ، نعم كتابة المونودراما تختلف عن كتابة النص متعدد الشخصيات ويمكن القول بأن النص المونودرامي أصعب فى الكتابة من النص المسرحى المألوف فهو نص يمتلك استثنائيته وخصائصه ن وهذا ما حققه المؤلف عبدالله مهدى فى مسرحيته المونودراما " عودة النوق العصافير " المراجع : 1. مسرحية يا ابن آدم – أحمد عبدالسلام المليجي – دار الأجيال 2. تطوير الأداء الفني فى ادب المسرح العربى المعاصر – السعيد الورقى – دار المعرفة الجامعية 2002 3. المسرح الواقعى اسلوبه وكتاباته – مجلة المسرح – عدد 30 4. تجارب مسرحية – عبدالفتا�


خ

الثلاثاء، 26 يونيو 2012

الفرجة الشعبية


أولا: مفهوم الفرجة : الفرجة من الانفراج ؛ وهي نقيض الكبت ونقيض التأزم . والفرجة هي " الخلوص من الشدة . وعند المولدين اسم لما يتفرج عليه من الغرائب ، وهي المشاهدة "(1)

والانفراج(2) في المسرح ، شأنه شأن الأزمة ، وشأن الذروة عنصر من عناصرالحبكة في البناء الدرامي التقليدي (3) والانفراج هدفه الكشف والتنويروالحل أو الخروج من الأزمة بعد وصولها الي ذ روتها .

ولا شك في أن الانفراج شيء مريح للمتلقي ؛اذ هو نهاية لصراع ما ؛ ترتب عليه توتر وتشويق .

والفرجة نوع من أنواع الخروج بالمتلقي من حالة شعورية الي حالة شعورية أخري . كأن يكون المتلقي في حالته الطبيعية المنطقية المعتادة متفاعلا مع حالة الممثل في تعبيره عن موقف درامي ما فيحلق مع الشخصية التي تغيرت حالتها محلقة في -حلامها ، أو يشف عندما تشف الشخصية . ويحدث هذا الخروج أ والانتقال بالمتلقي من حالة الي حالة تفسية مغايرة _ أسمي أو أدني _ عبر عناصر التعبيروعلاماته المسرحية المرئية والمسموعة ؛ بمعني أن الفرجة ليست مقصورةعلي مفردة علاماتية؛ بل هي نتاج تضافر منظومة العلامات في الصورة المسرحية الكلية .

والفرجة تكون في كل ماهو غريب . فكل غريب مثير للفرجة ؛ لأنه يجذب المتلقي ويستوقفه عما عداه ؛ ولو للحظه .. فغرابة شخصية (كاليجولا) (4) تستوقفني . وهذا الاستيقاف فيه خروج عن طبيعتي .ومن الفرجة ما يستدعي التأمل ؛ علي نحو مانري في موقف (كاليجولا):
" هيليكون : لاتغضب ياكايوس فما سأقوله .. انما أنت في حاجة الي راحة أولا.
كاليجولا : (جالسا بهدوء) هذا غير ممكن ياهيليكون ولن يكون ممكنا أبدا .
هيليكون : ولم أذن
كاليجولا : اذا نمت فمن يعطيني القمر .. "
ومثل ذلك الاستيقاف التأملي الاضطراري الذي هو بمثابة صدمة درامية للشخصية المسرحية المقابلةلشخصية مناوءة لها قبل أن تكون صدمة للمتلقي للعرض ؛ ماثلة أيضا في موقف (الملك لير )(5) الذي يفتت مملكة الاقطاع الذي يمثل هو رأس نظامه بديلا عن الحفاظ علي وحدته ؛ مما يجعل (بريشت ) ينزع عنها صفة المأساة باعتبار ماحدث خطوة علي طريق التطور الاجتماعي والحضاري وعلي طريق التقدم المادي التاريخي _ من منظور( بريشت) الأيديولوجي _ والتأمل هنا يكون بصدد تحليل موقف (لير) هل هو موقف نبيل أم هو موقف ساذج . ومثله تأمل موقف ( السيد عمر مكرم) في مسرحية (رجل القلعة) ل (أبو العلا السلاموني) (6) حيث يقف الشعب المصرى علي قدم واحدة وراء ه زعيما فاذا به ينصب علي حكم مصر رجلا أجنبيا هو (محمد علي) هل ذلك يعد نبلا أم زهدا أم يعد ضربا من ضروب السذاجة ؟ ومهما كان احتجاج (عمر مكرم )بصحة موقفه _آنذاك_ حيث اختار أن يقف رقيبا علي الوالي ( محمد علي) خارج دائرة السلطة التنفيذية ؛ غير مدرك لطبيعة الظرف الموضوعي الذي يؤكد ترسخ فكرة السمع والطاعة في ثقافتنا وهي الثقافة نفسها التي طبقها الشعب المصري تطبيقا آليا بمسيرنه خلفه هو نفسه وطاعته العمياء خضوعا عند فراره الفردي بوصفه زعيم الأمة بتنصيب أجنبي ألباني علي سريرالحكم _.

والتأمل في المسرح يكون مطلوبا عندما تكون هناك شخصية قي حالة من التأمل.والفرجةوهي هنا تكمن في غرابة مطلب ( كاليجولا) وفي غرابة ماأقدم عليه (لير) وماأقدم عليه )السيد (عمر مكرم) وكذلك غرابة مافعله (الملك ) في مسرحية (الملك هو الملك )(7) ل ( سعد الله ونوس)

علي أنني أود التأكيد علي أن تصديري هذا هو مجرد مهاد نظري لا تأكيد فيه علي أنني أعد الفرجة هدفا في ذاتها لذا فضرورة ربطها بالفكر وبالقيم الانسانية والاجتماعية والكونية واستخلاص دلالات منظومة الصورة







2



المسرحية أمر أساسي . وربما كان هذا مايفرق بين الفرجة المسرحية والفرجة الاكروباتية في فنون السيرك وفنون التهريج والفنون البهلوانية البحتة أو في الفنون الرياضية . فضلا عن حالة الحضور المتبادل والمتفاعل بين جمهور العرض المسرحي ادراكيا ووجدانيا بما يحدثةمن تغيير في الضميرالاجتماعي والانساني ؛ ذلك أن الفكر مرتبط بالمضامين أما الفرجة فهي نتاج مراوغة النسق أ والشكل. والفكر يحقق الاقناع بينما تتحقق الفرجة بالامتاع ..

ولكي تتحقق الفرجة يستخدم المبدع عناصرمتشابهة في الفنون جميعها . ولكنها بالطبع لاتستخدم مجتمعة في عمل فني واحد .

ثانيا: أشكال الفرجة وعلاماتها :
------------------- الشكل هو الاطار الخارجي للمحتوي . وفي ا لمسرح هو أطار خارجي للأحداث الدرامية ؛ وهو يثرى العمل الفني ويوحد بين عناصره (8) ويغرى بتأمل مضامينه وقيمه الكونية الانسانية والفكرية والاجتماعية. فكلما كان أكثر طرافة وقدرة علي الامتاع كان أقدر علي تحقيق الاقناع .ولأن المجتمعات في تغيردائم وفي تشابك وتعقيد من شأنهما خلق صعوبات جمة أمام الاقتناع ؛ لذلك زادت الحاجة الي أطر وطرائق طريفة ومبتكرة ؛ لها من السحر والعجائبية ما يمكنها من الوفاء بواجبها الأول كوسيلة لتغليف القيم وتسريبها الي نفوس المتلقين عبر مشاعرهم وعقولهم . وليس هناك شك في أن العودة الي التراث لاستلهام أشكال التعبيرفضلا عن اشعاعات مضمونية تنويرية تتجدد من عصر الي عصرآخركاتت وماتزال رغبة في التأثير في وجدان المتلقي وعقله .يقول الفريد فرج(9) "ان استخدام التراث كاطار مسرحي أو انتهاج الأسلوب الشعبي القديم في ضرب الأمثولة ، ينطوى علي فصد واضح لاعادة صياغة الحاضر عن طريق اعادة التراث "، وهوبذلك يكون موقفا نقديا وجدليا من التراث. كما أنه موقف نقدي وجدلي من الواقع . فالموضوع علي هذا النحوهوالذي يستدعي الاطار المناسب له ، لكي ينظمه ويثريه ويوحد بين علاماته وعناصره وصوره فيحقق الأثرالدرامي متقنعا خلق جماليات الشكل.

وعند الكلام عن أشكال الفرجة ؛ يكون الكلام عن سيميولوجيا المنطور السيتوجرافي ؛ لأن المنظور مرتبط بشكل الفرجة ، فالمشهد التقليدى الذى يؤدى في مسرح العلبة الايطالي يتأسس منظوره علي المواجهة التفاعلية بين المشهد المعروض وجمهوره . وهي مواحهة بين موقعين( من خيث جغرافية المكان ) أى بين مرسل ورسالة ومتلقي . علي أن المشهد الشعبي يؤدى في فضاء مفتوح (ساحة - جرن – حوش – حقل – سطح مبني –جراج – بدروم ) حيث يتشكل منظور الفرجة تلقائيا بوساطة كل متفرج – علي حده – علي النحو الذي يجد نفسه فيه متمكنا من التواصل البصرى مع العرض المسرحي . وهكذا يرتبط شكل المشهد المسرحي الشعبي بمنظور جمهوره .

نخلص مما تقدم الي أن أشكال الفرجة مختلفة من بيئة الي بيئة أخرى ؛ ليس هذا فحسب فقد يكون المنظور مختلفا مابين متلق ومتلق آخرعند تلقي العرض الواحد نفسه في توقيت أيضا؛ مما يسهم في تعدد دلالة التلقي مابين فرد وفرد آخر؛ ومن ثم يسهم في اثراء عملية الفرجة ويسهم في تفعيل الوهج الابداعي للمؤدين علي اختلاف فنونهم المشاركة في العرض كمايجدد طاقاتهم ؛ فضلا عما ينتجه من تباينات الأثر الدرامي والجمالي الجماعي – من حيث الأطار – والفردى من حيث التلقي غير المتوحد مع خطاب العرض نفسه .

ونخلص كذلك الي أن أشكال الفرجة منها ماهو حلقي ؛ حيث يحيط الجمهور بالعرض احاطة دائرية أو نصف دائرية تبعا للفضاء الجغرافي المتاح للعرض ،ومنها ما هو مواجهة ثابتة من حيث التقسيم الجغرافي السابق التحديد والذي تخضع له علاقة الاتصال البصري بين الصورة المسرحية المعروضة وجمهور تلقيها الحاضرحضورا (وجدانيا/ادراكيا)غيرمتوحد أو(وجدانيا) متوحدا مع الخطاب الدرامي (اند ماجيا)- وفق النظرية الأرسطوية -






3


ومن أشكال الفرجة ماكان متحركا ؛ بمعني تغير فضاء المنظر المسرحي مابين موقع جغرافي وموقع جغرافي آخر علي نحو مافعلت أنا نفسي في عرض( حلم ليلة صيد )(10) الذي أخرجته عن معالجة مسرحية شعرية كتبتها اعتمادا علي فكرة أدبية حططها الأديب السكندرى (معاوية حنفي) وعرضتها بقلعة قايتباى بالاسكندرية(1982) حيث أتاحت لي ساحة القلعة مساحات عريضة ومتنوعة مابين كهوف ومنحدرات وحواصل للجند وأبراح وتلال وبقايا أعمدة وأحجار أثرية وأسطح واطئة أن أنوع فضاءات الفرجة بما يتلاءم مع طبيعة كل مشهد مسرحي علي امتداد حدث يستلهم مظاهر حوارالحضارات وصراع الحضارات :؛ فمشاهد غزو (الاسكندر) وجنوده ومشاهد (عمروبن العاص) وجنوده علي خيولهم تنحدر من أعلي التلة . ومشاهد كهنة(آمون) في مدخل الكهف ومشهد ( المقوقس) يوم غزوة( ابن العاص). لمصر بأعلي البرج حيث يتفاوض علي الاستسلام وشروطه. كذلك أتاح لي ذلك الفضاء الأثرى البديع تحريك الجنود المائة الذين استعرتهم رسميا من معسكر الأمن المركزى بالاسكندرية حيث العرض كان تحت رعاية المحافظ . والذين كانوا يتبدلون مابين ليلة وليلة تالية بعد أن اكتشفت قيادة المعسكر أن بعضهم يردد أقوالا مما حفظوها عن الممثلين . وقد تتغير أماكن جلوس الجمهور أو أماكن وقوفهم علي النحو الذي حدث في عرض مسرحية (السيد حافظ ) باكورة انتاجه (حدث كما حدث ولكن لم يحدث أى حدث)(11) التي عرضت باتيليه الاسكندرية في نهاية الستينيات برؤية سينوغرافية متحركة المواقع مابين الحديقة والردهة الداخلية للفيلا التي يشغلها الاتيليه والدرج الصاعد للدور العلوي وهي رؤية للفنان ( فاروق حسني ) – اذ كان وقتذاك مديرا لقصر ثقافة الأنفوشي- وقد لايعرف الكثيرون أنه (خريج قسم الفنون التعبيرية –شعبة الديكور المسرحي بكلية الفنون الجميلة بالاسكندرية ) أو علي نحو ماتم عرضه لفرقة تونسيةمشاركة في فعاليات مهرجان القاهرة التجريبي الأول وكان عرضضها (الداليا)
بمنزل (زينب خاتون ) بحي الجمالية والذي حولته وزارة الثقافة مع عشرات البيوت الفاطمية والمملوكية الي مراكز للآبداع الفني . فقد حرك مخرج عرض( الداليا) التونسي(12) ممثلي عرضه المسرحي من مكان الي مكان آخر بداخل فضاء البيت الأثري ومن ثم تحرك جمهوره خلف الممثلين مابين غرفة وغرفة . وهكذا تغيرت مواقع الفرجة تبعا لخطة المخرج في تغيير مواقع العرض من مشهد الي مشهد . وهكذا يتغير منظور الفرجة ليصبح الجمهور جزءا من العرض علي النحو الذي كان يحدث في مسرح الغرفة الذى استحدثه في مصر الفنان ( عبدالغفار عودة)(1986) مدير المسرح المتجول . وعلي ذلك يمكننا القول بتعدد الأطروالفضاءات المتاحة لأشكال الفرجة في المسرح العربي في الربع الأخير من القرن العشرين لتعبر عن واقع ثقافي جديد طامح الي التعدد – عن طريق الفنون ربما تعويضا عن الضيق العام من الصوت التراتبي الأوحد الذي سيطر علي حيوات شعوب منطقتنا تحت شعار ( الكل في واحد) أو شعار ( لاصوت يعلو فوق صوت المعركة) أوعلي( صوت الفقيه) أوعلي( صوت الزعيم) أوعلي صوت (الأمير الظلامي الذي يطالب الناس بالسمع والطاعة).

لقد تأثر شباب المسرح المصري والعربي بأشكال الفرجة المسرحية التي وفدت مع زخم عروض مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي علي مدار أعوام تقترب من العام العشرين منذ بداية انشاء مهرجان القاهرة التجريبي بمبادرة تنويرية من الفنان ( فاروق حسني) . كما تأثر شباب المسرح العربي أيضا بالأشكال الاحتفالية المسرحية التي دعا اليها( يوسف ادريس) نحو تخليق شكل عربي للمسرح – بغض النظر عن ابتعاد محاولة تحقبقه لها عن طريق مسرحيته الشهيرة (الفرافير)(13) لاعتمادها فكريا وفلسفيا علي نظريتين فلسفيتين هما ( الفلسفة الوضعية والفلسفة الوجودية) مما جعل هناك فصلا بين دعوته لتأسيس مسرح شعبي عربي ومضامين نصه الفلسفية التي هي أكبر- ربما - من مستويات فهم الكثيرين من المثقفين- كما تأثر شباب المسرح العربي بدعوة (عبد الكريم برشيد وعبد الرحمن بن زيدان ) في المغرب العربي وتوابعها في الأردن علي يد (نادر عمران )وجماعة الفوانيس . ولاشك أن أعمال المبدع المغامرالتجريبي (نجيب سرور) المسرحية ابتداء من (مسرواية :ياسين وبهية – الشعرية)(14) قد شكلت أهم خطوات تخليق شكل عربي شعبي في مسرحنا العربي ؛ دون تنظير يمهد لها ودون طنطنة كلامية أو كتابية. ومن المعلوم أن تجربة (المسرواية) عند (سرور) أسبق من تجربة ( توفيق الجكيم ( (بنك القلق)(15). ولاشك أن تأثير أعماله في تجارب شباب المسرح المصري واضحة كل الوضوح حيث نرى تجاور الصور علي نحو قريب من طريقة عرض لوحات متجاورة في معرض فن تشكيلي . هذا فضلا عن التركيبة الأسلوبية لصياغاته الدرامية التي مزجت بين الدرامية والملحمية والأمثال الشعبية والحكم الي جانب استلهام


4


افتتاحيات مسرحياته لما أطلقت عليه (الخطبة الافتتاحية) التي يجمع فيها مقتطفات من نصوص دينية من كتاب ( الخروج الي النهار)


المعروف بكتاب (الموتي) ونصوص من( التوراة) ومن( العهد الجديد) ومن( آيات القرآن ) وشعر (المتنبي) وشعر(المعري) وخطب (عبد الناصر) ومقتطفات من، (ميثاق العمل الوطني ) أو من ( بيان 30 مارس67) . ومن الغريب أن مخرجي عروضه المسرحية يحذفون من نص العرض تلك الخطبة الدرامية علي نحو مافعل (مراد منير) عند اخراجه لمسرحية (منين أجيب ناس)(16) ( مع أن تلك التقديمة المتشظية هي جزء درامي أصيل قارىء لتاريخ شعوب تلك المنطقة المنكوبة بحكامها علي مر العصور والأزمان وهي تحيل النص الي (نص معني) وليس نصا حاملا للمعني ؛ فالتقديمة تؤكد تواصل التوجيه والارشاد والتحذيربالنص الديني الفرعوتي والسماوي وبالشعر والنثروعلي الرغم من كل تلك النصوص الاصلاحية فلا وجود لآذان تسمع أولقلوب تخشع أولعقول تقنع . ومع ماتقدم فان تجارب المغاربة والمشارقة بما فيها تجارب (نجيب سرور) تتداخل فيها عناصر الدراما الأرسطية مع الدراماالملحمية مع عناصر مستلهمة من تراثنا الأد بي كما في أعمال ( سعد الله ونوس) (الملك هو الملك )(17) وأعمال (برشيد ) ( أمرؤ القيس في باريس) (18).

علي أن للفرجة الشعبية أشكالها المحددة التي تتبلور اطاريا في الحكاية الشعبية وفي الأسطورة واستلهامات الكتاب لهما ؛كما يدخل فيه استخدام الحيوانات الأليفة أإو المستأنسة المدربة علي اللعب أوالمشاركة في عروض مسرحية استعراضية أو درامية فالحكاية الشعبية تستدعي الحكواتي أوالراوي الذي يتحلق الجمهورحوله في حلقة غير تامة وحيث يشخص العديد من الأدوار المتباينة والنقيضة ، يقول (وليد اخلاصي) "النص العربي بالرغم من تجاربه الحديثة استفاد من الموروث الشعبي (كالسامر والحكواتي والروائي ) ولم يخرج عن تقنية النص اليوناني القديم "



أشكال الفرجة الشعبية وعناصرها في المسرح العربي

دراسة في سيميولوجية العرض (1)



أولا: مفهوم الفرجة : الفرجة من الانفراج ؛ وهي نقيض الكبت ونقيض التأزم . والفرجة هي " الخلوص من الشدة . وعند المولدين اسم لما يتفرج عليه من الغرائب ، وهي المشاهدة "(1)

والانفراج(2) في المسرح ، شأنه شأن الأزمة ، وشأن الذروة عنصرا من عناصرالحبكة في البناء الدرامي التقليدي (3) والانفراج تدفه الكشف والتنويروالحل أو الخروج من الأزمة بعد وصولها الي ذ روتها .

ولا شك في أن الانفراج شيء مريح للمتلقي ؛اذ هو نهاية لصراع ما ؛ ترتب عليه توتر وتشويق .

والفرجة نوع من أنواع الخروج بالمتلقي من حالة شعورية الي حالة شعورية أخري . كأن يكون المتلقي في حالته الطبيعية المنطقية المعتادة متفاعلا من حالة الممثل في تعبيره عن موقف درامي ما فيحلق مع الشخصية التي تغييرت حالتها محلقة في -حلامها ، أو يشف عندما تشف الشخصية . ويحدث هذا الخروج أ والانتقال بالمتلقي من حالة الي حالة نفسية الي حالة تفسية مغايرة _ أسمي أو أدني _ عبر عناصر التعبيروعلاماته المسرحية المرئية والمسموعة ؛ بمعني أن الفرجة ليست مقصورة مفردة علاماتية بل هي نتاج تضافر منظومة العلامات في الصورة المسرحية الكلية .

والفرجة تكون في كل ماهو غريب . فكل غريب مثير للفرجة ؛ لأنه يجذب المتلقي ويستوقفه عما عداه ؛ ولو للحظه .. فغرابة شخصية (كاليجولا) (4) تستوقفني . وهذا الاستيقاف فيه خروج عن طبيعتي ..فيه للفرجة التي تستدعي التأمل :
" هيليكون : لاتغضب ياكايوس فما سأقوله .. انما أنت في حاجة الي راحة أولا.
كاليجولا : (جالسا بهدوء) هذا غير ممكن ياهيليكون ولن يكون ممكنا أبدا .
هيليكون : ولم أذن
كاليجولا : اذا نمت فمن يعطيني القمر .. "
ومثل 1لك الاستيقاف التأملي الاضطراري الذي هو بمثابة صدمة درامية للشخصية المسرحية المقابلة قبل أن تكون صدمة للمتلقي للعرض ؛ ماثلة أيضا في موقف (الملك لير )(5) الذي يفتت مملكة الاقطاع الذي هو رأس نظامه بلا من الحفاظ علي وحدته ؛ مما يجعل (بريشت ) ينزع عنها صفة المأساة باعتبار ماحدث خطوة علي طريق التطور الاجتماعي والحضاري علي طريق التقدم المادي التاريخي _ من منظر بريشت الأيديولوجي _ والتأمل هنا يكون بصدد تحليل موقف ى(لير) هل هو موقف نبيل أم هو موقف ساذج . ومثله تأمل موقف ( السيد عمر مكرم)(6) في مسرحية (رجل القلعة) ل (أبو العلا السلاموني) حيث يقف الشعب المصرى علي قدم واحدة وراء ه زعيما فاذابه ينصب علي حكم مصر رجلا أجنبيا هو (محمد علي) هل ذلك يعد نبلا أم زهدا أم يعد ضربا من ضروب السذاجة ؟ ومهما كا، احتداج عمر مكرم بصحة موقفه _آنذاك_ حيث اختار أن يقف رقيبا علي محمد علي خارج دائرة السلطة التنفيذية ؛ متناسيا الظرف الموضوعي الذي يؤكد ترسخ فكرة السمع والطاعة في ثقافتنا وهب الثقافة نفسها التي طبقها الشعب المصري تطبيقا آليا بمسيرنه خلفه هو نفسه وطاعته العمياء خضوعا عند فراره الفردي بوصفه زعيم الأمة بتنصيب أجنبي ألباني علي سريرالحكم _.

والتأمل في المسرح يكون مطلوبا عندما تكون هناك شخصية قي حالة من التأمل.والفرجة هنا تكمن في غرابة مطلب ( كاليجولا) وفي غرابة ماأقدم عليه (لير) وماأقدم عليه )السيد عمر مكرم) وكذلك غرابة مافعله (الملك ) في مسرحية (الملك هو الملك )(7) ل ( سعد الله ونوس)

علي أنني أود التأكيد علي أن تصديري هذا هو مجرد مهاد نظري لاتأكيد فيه علي أنني أعد الفرجة هدفا في ذاتها لذا فضرورة ربطها بالفكر وبالقيم الانسانية والاجتماعية والكونية واستخلاص دلالات منظومة الصورة







2



المسرحية . وربما كان هذا ما ىيفرق بين الفرجة المسرحية والفرجة الاكروباتية في فنون السيرك وفنون التهريج والفنون البهلوانية البحتة أو في الفنون الرياضية . فضلا عن حالة الحضور المتبادل والمتفاعل بين جمهور العرض المسرح ادراكيا ووجدانيا بما يحدثة تغييرا ما في الضميرالاجتماعي والانساني ؛ ذلك أن الفكر مرتبط بالمضامين أما الفرجة فهي نتاج النسق أ والشكل والفكر يحقق الاقناع بينما تتحقق الفرجة بالامتاع .

ولكي تتحقق الفرجة يستخدم المبدع عناصرمتشابهة في الفنون جميعها . ولكنها بالطبع لاتستخدم مجتمعة في عمل فني واحد .

ثانيا: أشكال الفرجة وعلاماتها :
------------------- الشكل هو الاطار الخارجي للمحتوي . وفي ا لمسرح هو أطار خارجي للأحداث الدرامية ؛ وهو يثرى العمل الفني ويوحد بين عناصره (8) ويغرى بتأمل مضامينه وقيمه الكونية الانسانية والفكرية والاجتماعية. فكلما كان أكثر طرافة وقدرة علي الامتاع كان أقدر علي تحقيقالاقناع .ولأن المجتمعات في تغيردائم وفي تشابك وتعقيد من شأنهما خلق صعوبات جمة أمام الاقتناع ؛ لذلك زادت الحاجة الي أطر وطرائق طريفة ومبتكرة ؛ لها من السحر والعجائبية ما يمكنها من الوفاء بواجبها الأول كوسيلة لتغليف القيم وتسريبها الي نفوس المتلقين عبر مشاعرهم وعقولهم . وليس هناك شك في أن العودة الي التراث لاستلهام أشكال التعبيرفضلا عن اشعاعات مضمونية تنويرية تتجدد من عصر الي عصرآخر رغبة في الوصول المؤثر في وجدان المتلقي وعقله .يقول الفريد فرج(9) "ان استخدام التراث كاطار مسرحي أو انتهاج الأسلوب الشعبي القديم في ضرب الأمثولة ، ينطوى علي فصد واضح لاعادة صياغة الحاضر عن طريقة اعادة التراث "، وهوبذلك موقف نقدي وجدلي من التراث. كما أنه موقف نقدي وجدلي من الواقع . وهكذا فان الموضوع يستدعي الاطار المناسب له ، وهو ينظمه ويثريه ويوحد بين علاماته وعناصره وصوره .

وعند الكلام عن أشكال الفرجة ؛ يكون الكلام عن سيميولوجيا المنطور السيتوجرافي ؛ لأن المنظور مرتبط بشكل الفرجة ، فالمشهد التقليدى الذى يؤدى في مسرح العلبة الايطالي يتأسس منظوره علي المواجهة التفاعلية بين المشهد المعرروض وجمهوره . وهي مواحهة بين موقعين( من خيث جغرافية المكان ) أى بين مرسل ورسالة ومتلقي . علي أن المشهد الشعبي يؤدى في فضاء مفتوح (ساحة - جرن – حوش – حقل – سطح مبني –جراج – بدروم ) حيث يتشكل منظور الفرجة تشكيليا تلقائيا بوساطة كل متفرج – علي حده – علي النحو الذي يجد نفسه فيه متمكنا من التواصل البصرى مع العرض المسرحي . وهكذا يرتبط شكل في الممشهد المسرحي الشعبي بمنظور جمهوره .

نخلص مما تقدم الي أن أشكال الفرجة مختلفة من بيئة الي بيئة أخرى ؛ ليس هذا فحسب فقد يكون المنظور مختلفا مابين متلق ومتلق لآخر في تلقي العرض الواحد نفسه وفي توقيت عرضه أيضا. مما يسهم في تعدد دلالة التلقي مابين فرد وفرد آخر؛ ومن ثم يسهم في اثراء عملية الفرجة ويسهم في تفعيل الوهج الابداعي للمؤدين علي اختلاف فنونهم المشاركة في العرض ويجدد طاقاتهم ؛ فضلا عما ينتجه من تباينات الأثر الدرامي والجمالي الجماعي – من حيث الأطار – والفردى من حيث التلقي غير المتوحد مع خطاب العرض نفسه .

ونخلص كذلك الي أن أشكال الفرجة منها ماهو حلقي ؛ حيث يحيط الجمهور بالعرض احاطة دائرية أو نصغ دائرية تبعا للفضاء الجغرافي المتاح للعرض ،ومنها ما هو مواجة ثابتة من حيث التقسيم الجغرافي السابق التحديد والذي تخضع له علاقة الاتصال البصري بين الصورة المسرحية المعروضة وجمهور تلقيها الحاضرحضورا (وجدانيا/ادراكيا)غيرمتوحد أو(وجدانيا) متوحدا مع الخطاب الدرامي (اند ماجيا)- وفق النظرية الأرسطوية -






3


ومن أشكال الفرجة ماكان متحركا ؛ بمعني تغير فضاء المنظر المسرحي مابين موقع جغرافي وموقع جغرافي آخر علي نحو مافعلت في عرض( حلم ليلة صيد )(10) الذي أخرجته عن معالجة مسرحية شعرية كتبتها اعتمادا علي فكرة أدبية حططها الأديب السكندرى (معاوية حنفي) وعرضتها بقلعة قايتباى بالاسكندرية(1982) حيث أتاحت ليساحة القلعة مساحات عريضة ومتنوعة مابين كهوف ومنحدرات وحواصل للجند وأبراح وتلال وبقايا أعمدة وأحجار أثرية وأسطح واطئة أن أنوع فضاءات الفرجة بما يتلاءم مع طبيعة كل مشهد مسرحي :؛ فمشاهد غزو (الاسكندر) وجنوده ومشاهد (عمروبن العاص) وجنوده علي خيولهم تنحدر من أعلي التلة . ومشاهد كهنة(آمون) في مدخل الكهف ومشهد ( المقوقس) يوم غزوة( ابن العاص). لمصر بأعلي البرج حيث يتفاوض علي الاستسلام وشروطه. كذلك أتاح لي ذلك الفضاء الأثرى البديع تحريك الجنود المائة الذين استعرتهم رسميا من معسكر الأمن المركزى بالاسكندرية حيث العرض كان تحت رعاية المحافظ . والذين كانوا يتبدلون مابين ليلة وليلة تالية بعد أن اكتشفت قيادة المعسكر أن بعضهم يردد أقوالا مما حفظوه عن الممثلين . وقد تتغير أماكن جلوس الجمهور أة أماكن وقوفهم علي النحو الذي حدث في عرض مسرحية (السيد حافظ ) وباكورة انتاجه (حدث كما حدث ولكن الم يحدث أى حدث)(11) التي عرضت باتيليه الاسكندرية في نهاية الستينيات برؤية سينوةغرافية متحركة المواقع مابين الحديقة والردهة الداخلية للفيلا التي يشغلها الاتيليه والدرج الصاعد للدور العلوي وهي رؤية للفنان ( فاروق حسني ) – وكان وقتذاك مديرا لقصر ثقافة الأنفوشي- ( وقد لايعرف الكثيرون أنه خريج قسم الفنون التعبيرية –شعبة الديكور المسرحي بكلية الفنون الجميلة بالاسكندرية ) أو علي نحو ماتم عرضه لفرقة تونسية
بمنزل (زينب خاتون ) بحي الجمالية والذي حولته وزارة الثقافة مع عشرات البيوت الفاطمية والمملوكية الي مراكز للآبداع الفني . فقد حرك مخرج عرض( الداليا) التونسي(12) ممثلي عرضه المسرحي من مكان الي مكان آخر بداخل فضاء البيت الأثري ومن ثم تحرك جمهوره خلف الممثلين مابين غرفة وغرفة . وهكذا تغيرت مواقع الفرجة تبعا لخطة المخرج في تغيير مواقع العرض من مشهد الي مشهد . وهكذا يتغير منظور الفرجة ليصبح الجمهور جزءا من العرض علي النحو الذي كان يحدث في مسرح الغرفة الذى استحدثه في مصر الفنان ( عبدالغفار عودة) مدير المسرح المتجول . وعلي ذلك يمكننا القول بتعدد مسميات أشكال الفرجة في المسرح العربي في الربع الأخير من القرن العشرين لتعبر عن واقع ثقافي جديد طامح الي التعدد – عن طريق الفنون ربما تعويضا عن الصوت التراتبي الأوحد الذي سيطر علي حيوات شعوب منطقتنا تحت شعار ( الكل في واحد) أو شعار ( لاصوت يعلو فوق صوت المعركة) أوعلي( صوت الفقيه) أوعلي صوت( الزعيم) أوعلي صوت (الأمير الظلامي الذي يطالب الناس بالسمع والطاعة).

لقد تأثر شباب المسرح المصري والعربي بأشكال الفرجة المسرحية التي وفدت مع زخم عروض مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي علي مدار أعوام تقترب من العام العشرين منذ بداية انشاء مهرجان القاهرة التجريبي بمبادرة تنويرية من الفنان ( فاروق حسني) . كما تأثر شباب المسرح العربي أيضا بالأشكال الاحتفالية المسرحية التي دعا اليها( يوسف ادريس) في تخليق شكل عربي للمسرح – بغض النظر عن ابتعاد محاولة تحقبقه لها عن طريق مسرحيته الشهيرة (الفرافير)(13) لاعتمادها فكريا وفلسفيا علي نظريتين فلسفيتين هما ( الفلسفة الوضعية والفلسفة الوجودية) مما جعل هناك فصلا بين دعوته لتأسيس مسرح شعبي عربي ومضامين نصه الفلسفية التي هي أكبر- ربما - من مستويات فهم الكثيرين من المثقفين .كما تأثر شباب المسرح العربي بدعوة عبد الكريم برشيد وعبد الرحمن بن زيدان في المغرب العربي وتوابعها في الأردن علي يد نادر عمران وجماعة الفوانيس . ولاشك أن أعمال المبدع المغامرالتجريبي (نجيب سرور) المسرحية ابتداء من (مسرواية :ياسين وبهية – الشعرية)(14) شكلت أهم خطوات تخليق شكال عرب شعبي في مسرحنا العربي ؛ دون تنظير يمهد لها ودون طنطنة كلامية أو كتابية ومن المعلوم أن تجربة (المسرواية) عند (سرور) أسبق من تجربة ( توفيق الجكيم ( (بنك القلق)(15). ولاشك أن تأثير أعماله في تجارب شباب المسرح المصري واضحة كل الوضوح حيث نرى تجاور الصور علي نحو قريب من طريقة عرض لوحات في معرض فن تشكيلي . هذا فضلا عن التركيبة الأسلوبية لصايغاته الدرامية التي مزجت بين الدرامية والملحمية والأمثال الشعبية والحكم الي جانب استلهام


4


افتتاحيات مسرحية لما أطلقت عليه (الخطبة الافتتاحية) التي يجمع فيها مقتطفات من نصوص دينية من كتاب ( الخروج الي النهار)


المعروف بكتاب (الموتي) ونصوص من( التوراة) ومن( العهد الجديد) ومن( آيات القرآن ) وشعر (المتنبي) وشعر(المعري) وخطب (عبد الناصر) ومقتطفات من، (ميثاق العمل الوطني ) أو من ( بيان 30 مارس67) . ومن الغريب أن مخرجي عروضه المسرحية يحذفون من نص العرض تلك الخطبة الدرامية علي نحو مافعل (مراد منير) عند اخراجه لمسرحية (منين أجيب ناس)(16) ( مع أن تلك التقديمة المتشظية هي جزء درامي أصيل قارىء لتاريخ شعوب تلك المنطقة المنكوبة بحكامها علي مر العصور والأزمان وهي تحيل النص الي نص معني وليس نصا حاملا للمعني ؛ فالتقديمة تؤكد تواصل التوجيه والارشاد والتحذيربالنص الديني الفرعوتي والسماوي وبالشعر والنثروعلي الرغم من كل تلك النصوص الاصلاحية فلا وجود لآذان تسمع أولقلوب تخشع أولعقول تقنع . ومع ماتقدم فان تجارب المغاربة والمشارقة بما فيها تجارب (نجيب سرور) تتداخل فيها عناصر الدراما الأرسطية مع الدراماالملحمية مع عناصر مستلهمة من تراثنا الأد بي كما في أعمال ( سعد الله ونوس) (الملك هو الملك )(17) وأعمال (برشيد ) ) أمرؤ القيس في باريس) (18).

علي أن للفرجة الشعبية أشكالها المحددة التي تتبلور اطاريا في الحكاية الشعبية وفي الأسطورة واستلهامات الكتاب لهما كما يدخل فيه استخدام الحيوانات الأليفة أإو المستأنسة المدربة علي اللعب أوالمشاركة في عروض مسرحية استعراضية أو درامية فالحكاية الشعبية تستدعي الحكواتي أوالراوي الذي يتحلق الجمهورحوله في حلقة غير تامة وحيث يشخص العديد من الأدوار المتباينة والنقيضة ، يقول (وليد اخلاصي) "النص العربي بالرغم من تجاربه الحديثة استفاد من الموروث الشعبي (كالسامر والحكواتي والروائي ) ولم يخرج عن تقنية النص اليوناني القديم "




تعليقات الفيسبوك