الثلاثاء، 26 يونيو 2012

الفرجة الشعبية


أولا: مفهوم الفرجة : الفرجة من الانفراج ؛ وهي نقيض الكبت ونقيض التأزم . والفرجة هي " الخلوص من الشدة . وعند المولدين اسم لما يتفرج عليه من الغرائب ، وهي المشاهدة "(1)

والانفراج(2) في المسرح ، شأنه شأن الأزمة ، وشأن الذروة عنصر من عناصرالحبكة في البناء الدرامي التقليدي (3) والانفراج هدفه الكشف والتنويروالحل أو الخروج من الأزمة بعد وصولها الي ذ روتها .

ولا شك في أن الانفراج شيء مريح للمتلقي ؛اذ هو نهاية لصراع ما ؛ ترتب عليه توتر وتشويق .

والفرجة نوع من أنواع الخروج بالمتلقي من حالة شعورية الي حالة شعورية أخري . كأن يكون المتلقي في حالته الطبيعية المنطقية المعتادة متفاعلا مع حالة الممثل في تعبيره عن موقف درامي ما فيحلق مع الشخصية التي تغيرت حالتها محلقة في -حلامها ، أو يشف عندما تشف الشخصية . ويحدث هذا الخروج أ والانتقال بالمتلقي من حالة الي حالة تفسية مغايرة _ أسمي أو أدني _ عبر عناصر التعبيروعلاماته المسرحية المرئية والمسموعة ؛ بمعني أن الفرجة ليست مقصورةعلي مفردة علاماتية؛ بل هي نتاج تضافر منظومة العلامات في الصورة المسرحية الكلية .

والفرجة تكون في كل ماهو غريب . فكل غريب مثير للفرجة ؛ لأنه يجذب المتلقي ويستوقفه عما عداه ؛ ولو للحظه .. فغرابة شخصية (كاليجولا) (4) تستوقفني . وهذا الاستيقاف فيه خروج عن طبيعتي .ومن الفرجة ما يستدعي التأمل ؛ علي نحو مانري في موقف (كاليجولا):
" هيليكون : لاتغضب ياكايوس فما سأقوله .. انما أنت في حاجة الي راحة أولا.
كاليجولا : (جالسا بهدوء) هذا غير ممكن ياهيليكون ولن يكون ممكنا أبدا .
هيليكون : ولم أذن
كاليجولا : اذا نمت فمن يعطيني القمر .. "
ومثل ذلك الاستيقاف التأملي الاضطراري الذي هو بمثابة صدمة درامية للشخصية المسرحية المقابلةلشخصية مناوءة لها قبل أن تكون صدمة للمتلقي للعرض ؛ ماثلة أيضا في موقف (الملك لير )(5) الذي يفتت مملكة الاقطاع الذي يمثل هو رأس نظامه بديلا عن الحفاظ علي وحدته ؛ مما يجعل (بريشت ) ينزع عنها صفة المأساة باعتبار ماحدث خطوة علي طريق التطور الاجتماعي والحضاري وعلي طريق التقدم المادي التاريخي _ من منظور( بريشت) الأيديولوجي _ والتأمل هنا يكون بصدد تحليل موقف (لير) هل هو موقف نبيل أم هو موقف ساذج . ومثله تأمل موقف ( السيد عمر مكرم) في مسرحية (رجل القلعة) ل (أبو العلا السلاموني) (6) حيث يقف الشعب المصرى علي قدم واحدة وراء ه زعيما فاذا به ينصب علي حكم مصر رجلا أجنبيا هو (محمد علي) هل ذلك يعد نبلا أم زهدا أم يعد ضربا من ضروب السذاجة ؟ ومهما كان احتجاج (عمر مكرم )بصحة موقفه _آنذاك_ حيث اختار أن يقف رقيبا علي الوالي ( محمد علي) خارج دائرة السلطة التنفيذية ؛ غير مدرك لطبيعة الظرف الموضوعي الذي يؤكد ترسخ فكرة السمع والطاعة في ثقافتنا وهي الثقافة نفسها التي طبقها الشعب المصري تطبيقا آليا بمسيرنه خلفه هو نفسه وطاعته العمياء خضوعا عند فراره الفردي بوصفه زعيم الأمة بتنصيب أجنبي ألباني علي سريرالحكم _.

والتأمل في المسرح يكون مطلوبا عندما تكون هناك شخصية قي حالة من التأمل.والفرجةوهي هنا تكمن في غرابة مطلب ( كاليجولا) وفي غرابة ماأقدم عليه (لير) وماأقدم عليه )السيد (عمر مكرم) وكذلك غرابة مافعله (الملك ) في مسرحية (الملك هو الملك )(7) ل ( سعد الله ونوس)

علي أنني أود التأكيد علي أن تصديري هذا هو مجرد مهاد نظري لا تأكيد فيه علي أنني أعد الفرجة هدفا في ذاتها لذا فضرورة ربطها بالفكر وبالقيم الانسانية والاجتماعية والكونية واستخلاص دلالات منظومة الصورة







2



المسرحية أمر أساسي . وربما كان هذا مايفرق بين الفرجة المسرحية والفرجة الاكروباتية في فنون السيرك وفنون التهريج والفنون البهلوانية البحتة أو في الفنون الرياضية . فضلا عن حالة الحضور المتبادل والمتفاعل بين جمهور العرض المسرحي ادراكيا ووجدانيا بما يحدثةمن تغيير في الضميرالاجتماعي والانساني ؛ ذلك أن الفكر مرتبط بالمضامين أما الفرجة فهي نتاج مراوغة النسق أ والشكل. والفكر يحقق الاقناع بينما تتحقق الفرجة بالامتاع ..

ولكي تتحقق الفرجة يستخدم المبدع عناصرمتشابهة في الفنون جميعها . ولكنها بالطبع لاتستخدم مجتمعة في عمل فني واحد .

ثانيا: أشكال الفرجة وعلاماتها :
------------------- الشكل هو الاطار الخارجي للمحتوي . وفي ا لمسرح هو أطار خارجي للأحداث الدرامية ؛ وهو يثرى العمل الفني ويوحد بين عناصره (8) ويغرى بتأمل مضامينه وقيمه الكونية الانسانية والفكرية والاجتماعية. فكلما كان أكثر طرافة وقدرة علي الامتاع كان أقدر علي تحقيق الاقناع .ولأن المجتمعات في تغيردائم وفي تشابك وتعقيد من شأنهما خلق صعوبات جمة أمام الاقتناع ؛ لذلك زادت الحاجة الي أطر وطرائق طريفة ومبتكرة ؛ لها من السحر والعجائبية ما يمكنها من الوفاء بواجبها الأول كوسيلة لتغليف القيم وتسريبها الي نفوس المتلقين عبر مشاعرهم وعقولهم . وليس هناك شك في أن العودة الي التراث لاستلهام أشكال التعبيرفضلا عن اشعاعات مضمونية تنويرية تتجدد من عصر الي عصرآخركاتت وماتزال رغبة في التأثير في وجدان المتلقي وعقله .يقول الفريد فرج(9) "ان استخدام التراث كاطار مسرحي أو انتهاج الأسلوب الشعبي القديم في ضرب الأمثولة ، ينطوى علي فصد واضح لاعادة صياغة الحاضر عن طريق اعادة التراث "، وهوبذلك يكون موقفا نقديا وجدليا من التراث. كما أنه موقف نقدي وجدلي من الواقع . فالموضوع علي هذا النحوهوالذي يستدعي الاطار المناسب له ، لكي ينظمه ويثريه ويوحد بين علاماته وعناصره وصوره فيحقق الأثرالدرامي متقنعا خلق جماليات الشكل.

وعند الكلام عن أشكال الفرجة ؛ يكون الكلام عن سيميولوجيا المنطور السيتوجرافي ؛ لأن المنظور مرتبط بشكل الفرجة ، فالمشهد التقليدى الذى يؤدى في مسرح العلبة الايطالي يتأسس منظوره علي المواجهة التفاعلية بين المشهد المعروض وجمهوره . وهي مواحهة بين موقعين( من خيث جغرافية المكان ) أى بين مرسل ورسالة ومتلقي . علي أن المشهد الشعبي يؤدى في فضاء مفتوح (ساحة - جرن – حوش – حقل – سطح مبني –جراج – بدروم ) حيث يتشكل منظور الفرجة تلقائيا بوساطة كل متفرج – علي حده – علي النحو الذي يجد نفسه فيه متمكنا من التواصل البصرى مع العرض المسرحي . وهكذا يرتبط شكل المشهد المسرحي الشعبي بمنظور جمهوره .

نخلص مما تقدم الي أن أشكال الفرجة مختلفة من بيئة الي بيئة أخرى ؛ ليس هذا فحسب فقد يكون المنظور مختلفا مابين متلق ومتلق آخرعند تلقي العرض الواحد نفسه في توقيت أيضا؛ مما يسهم في تعدد دلالة التلقي مابين فرد وفرد آخر؛ ومن ثم يسهم في اثراء عملية الفرجة ويسهم في تفعيل الوهج الابداعي للمؤدين علي اختلاف فنونهم المشاركة في العرض كمايجدد طاقاتهم ؛ فضلا عما ينتجه من تباينات الأثر الدرامي والجمالي الجماعي – من حيث الأطار – والفردى من حيث التلقي غير المتوحد مع خطاب العرض نفسه .

ونخلص كذلك الي أن أشكال الفرجة منها ماهو حلقي ؛ حيث يحيط الجمهور بالعرض احاطة دائرية أو نصف دائرية تبعا للفضاء الجغرافي المتاح للعرض ،ومنها ما هو مواجهة ثابتة من حيث التقسيم الجغرافي السابق التحديد والذي تخضع له علاقة الاتصال البصري بين الصورة المسرحية المعروضة وجمهور تلقيها الحاضرحضورا (وجدانيا/ادراكيا)غيرمتوحد أو(وجدانيا) متوحدا مع الخطاب الدرامي (اند ماجيا)- وفق النظرية الأرسطوية -






3


ومن أشكال الفرجة ماكان متحركا ؛ بمعني تغير فضاء المنظر المسرحي مابين موقع جغرافي وموقع جغرافي آخر علي نحو مافعلت أنا نفسي في عرض( حلم ليلة صيد )(10) الذي أخرجته عن معالجة مسرحية شعرية كتبتها اعتمادا علي فكرة أدبية حططها الأديب السكندرى (معاوية حنفي) وعرضتها بقلعة قايتباى بالاسكندرية(1982) حيث أتاحت لي ساحة القلعة مساحات عريضة ومتنوعة مابين كهوف ومنحدرات وحواصل للجند وأبراح وتلال وبقايا أعمدة وأحجار أثرية وأسطح واطئة أن أنوع فضاءات الفرجة بما يتلاءم مع طبيعة كل مشهد مسرحي علي امتداد حدث يستلهم مظاهر حوارالحضارات وصراع الحضارات :؛ فمشاهد غزو (الاسكندر) وجنوده ومشاهد (عمروبن العاص) وجنوده علي خيولهم تنحدر من أعلي التلة . ومشاهد كهنة(آمون) في مدخل الكهف ومشهد ( المقوقس) يوم غزوة( ابن العاص). لمصر بأعلي البرج حيث يتفاوض علي الاستسلام وشروطه. كذلك أتاح لي ذلك الفضاء الأثرى البديع تحريك الجنود المائة الذين استعرتهم رسميا من معسكر الأمن المركزى بالاسكندرية حيث العرض كان تحت رعاية المحافظ . والذين كانوا يتبدلون مابين ليلة وليلة تالية بعد أن اكتشفت قيادة المعسكر أن بعضهم يردد أقوالا مما حفظوها عن الممثلين . وقد تتغير أماكن جلوس الجمهور أو أماكن وقوفهم علي النحو الذي حدث في عرض مسرحية (السيد حافظ ) باكورة انتاجه (حدث كما حدث ولكن لم يحدث أى حدث)(11) التي عرضت باتيليه الاسكندرية في نهاية الستينيات برؤية سينوغرافية متحركة المواقع مابين الحديقة والردهة الداخلية للفيلا التي يشغلها الاتيليه والدرج الصاعد للدور العلوي وهي رؤية للفنان ( فاروق حسني ) – اذ كان وقتذاك مديرا لقصر ثقافة الأنفوشي- وقد لايعرف الكثيرون أنه (خريج قسم الفنون التعبيرية –شعبة الديكور المسرحي بكلية الفنون الجميلة بالاسكندرية ) أو علي نحو ماتم عرضه لفرقة تونسيةمشاركة في فعاليات مهرجان القاهرة التجريبي الأول وكان عرضضها (الداليا)
بمنزل (زينب خاتون ) بحي الجمالية والذي حولته وزارة الثقافة مع عشرات البيوت الفاطمية والمملوكية الي مراكز للآبداع الفني . فقد حرك مخرج عرض( الداليا) التونسي(12) ممثلي عرضه المسرحي من مكان الي مكان آخر بداخل فضاء البيت الأثري ومن ثم تحرك جمهوره خلف الممثلين مابين غرفة وغرفة . وهكذا تغيرت مواقع الفرجة تبعا لخطة المخرج في تغيير مواقع العرض من مشهد الي مشهد . وهكذا يتغير منظور الفرجة ليصبح الجمهور جزءا من العرض علي النحو الذي كان يحدث في مسرح الغرفة الذى استحدثه في مصر الفنان ( عبدالغفار عودة)(1986) مدير المسرح المتجول . وعلي ذلك يمكننا القول بتعدد الأطروالفضاءات المتاحة لأشكال الفرجة في المسرح العربي في الربع الأخير من القرن العشرين لتعبر عن واقع ثقافي جديد طامح الي التعدد – عن طريق الفنون ربما تعويضا عن الضيق العام من الصوت التراتبي الأوحد الذي سيطر علي حيوات شعوب منطقتنا تحت شعار ( الكل في واحد) أو شعار ( لاصوت يعلو فوق صوت المعركة) أوعلي( صوت الفقيه) أوعلي( صوت الزعيم) أوعلي صوت (الأمير الظلامي الذي يطالب الناس بالسمع والطاعة).

لقد تأثر شباب المسرح المصري والعربي بأشكال الفرجة المسرحية التي وفدت مع زخم عروض مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي علي مدار أعوام تقترب من العام العشرين منذ بداية انشاء مهرجان القاهرة التجريبي بمبادرة تنويرية من الفنان ( فاروق حسني) . كما تأثر شباب المسرح العربي أيضا بالأشكال الاحتفالية المسرحية التي دعا اليها( يوسف ادريس) نحو تخليق شكل عربي للمسرح – بغض النظر عن ابتعاد محاولة تحقبقه لها عن طريق مسرحيته الشهيرة (الفرافير)(13) لاعتمادها فكريا وفلسفيا علي نظريتين فلسفيتين هما ( الفلسفة الوضعية والفلسفة الوجودية) مما جعل هناك فصلا بين دعوته لتأسيس مسرح شعبي عربي ومضامين نصه الفلسفية التي هي أكبر- ربما - من مستويات فهم الكثيرين من المثقفين- كما تأثر شباب المسرح العربي بدعوة (عبد الكريم برشيد وعبد الرحمن بن زيدان ) في المغرب العربي وتوابعها في الأردن علي يد (نادر عمران )وجماعة الفوانيس . ولاشك أن أعمال المبدع المغامرالتجريبي (نجيب سرور) المسرحية ابتداء من (مسرواية :ياسين وبهية – الشعرية)(14) قد شكلت أهم خطوات تخليق شكل عربي شعبي في مسرحنا العربي ؛ دون تنظير يمهد لها ودون طنطنة كلامية أو كتابية. ومن المعلوم أن تجربة (المسرواية) عند (سرور) أسبق من تجربة ( توفيق الجكيم ( (بنك القلق)(15). ولاشك أن تأثير أعماله في تجارب شباب المسرح المصري واضحة كل الوضوح حيث نرى تجاور الصور علي نحو قريب من طريقة عرض لوحات متجاورة في معرض فن تشكيلي . هذا فضلا عن التركيبة الأسلوبية لصياغاته الدرامية التي مزجت بين الدرامية والملحمية والأمثال الشعبية والحكم الي جانب استلهام


4


افتتاحيات مسرحياته لما أطلقت عليه (الخطبة الافتتاحية) التي يجمع فيها مقتطفات من نصوص دينية من كتاب ( الخروج الي النهار)


المعروف بكتاب (الموتي) ونصوص من( التوراة) ومن( العهد الجديد) ومن( آيات القرآن ) وشعر (المتنبي) وشعر(المعري) وخطب (عبد الناصر) ومقتطفات من، (ميثاق العمل الوطني ) أو من ( بيان 30 مارس67) . ومن الغريب أن مخرجي عروضه المسرحية يحذفون من نص العرض تلك الخطبة الدرامية علي نحو مافعل (مراد منير) عند اخراجه لمسرحية (منين أجيب ناس)(16) ( مع أن تلك التقديمة المتشظية هي جزء درامي أصيل قارىء لتاريخ شعوب تلك المنطقة المنكوبة بحكامها علي مر العصور والأزمان وهي تحيل النص الي (نص معني) وليس نصا حاملا للمعني ؛ فالتقديمة تؤكد تواصل التوجيه والارشاد والتحذيربالنص الديني الفرعوتي والسماوي وبالشعر والنثروعلي الرغم من كل تلك النصوص الاصلاحية فلا وجود لآذان تسمع أولقلوب تخشع أولعقول تقنع . ومع ماتقدم فان تجارب المغاربة والمشارقة بما فيها تجارب (نجيب سرور) تتداخل فيها عناصر الدراما الأرسطية مع الدراماالملحمية مع عناصر مستلهمة من تراثنا الأد بي كما في أعمال ( سعد الله ونوس) (الملك هو الملك )(17) وأعمال (برشيد ) ( أمرؤ القيس في باريس) (18).

علي أن للفرجة الشعبية أشكالها المحددة التي تتبلور اطاريا في الحكاية الشعبية وفي الأسطورة واستلهامات الكتاب لهما ؛كما يدخل فيه استخدام الحيوانات الأليفة أإو المستأنسة المدربة علي اللعب أوالمشاركة في عروض مسرحية استعراضية أو درامية فالحكاية الشعبية تستدعي الحكواتي أوالراوي الذي يتحلق الجمهورحوله في حلقة غير تامة وحيث يشخص العديد من الأدوار المتباينة والنقيضة ، يقول (وليد اخلاصي) "النص العربي بالرغم من تجاربه الحديثة استفاد من الموروث الشعبي (كالسامر والحكواتي والروائي ) ولم يخرج عن تقنية النص اليوناني القديم "



أشكال الفرجة الشعبية وعناصرها في المسرح العربي

دراسة في سيميولوجية العرض (1)



أولا: مفهوم الفرجة : الفرجة من الانفراج ؛ وهي نقيض الكبت ونقيض التأزم . والفرجة هي " الخلوص من الشدة . وعند المولدين اسم لما يتفرج عليه من الغرائب ، وهي المشاهدة "(1)

والانفراج(2) في المسرح ، شأنه شأن الأزمة ، وشأن الذروة عنصرا من عناصرالحبكة في البناء الدرامي التقليدي (3) والانفراج تدفه الكشف والتنويروالحل أو الخروج من الأزمة بعد وصولها الي ذ روتها .

ولا شك في أن الانفراج شيء مريح للمتلقي ؛اذ هو نهاية لصراع ما ؛ ترتب عليه توتر وتشويق .

والفرجة نوع من أنواع الخروج بالمتلقي من حالة شعورية الي حالة شعورية أخري . كأن يكون المتلقي في حالته الطبيعية المنطقية المعتادة متفاعلا من حالة الممثل في تعبيره عن موقف درامي ما فيحلق مع الشخصية التي تغييرت حالتها محلقة في -حلامها ، أو يشف عندما تشف الشخصية . ويحدث هذا الخروج أ والانتقال بالمتلقي من حالة الي حالة نفسية الي حالة تفسية مغايرة _ أسمي أو أدني _ عبر عناصر التعبيروعلاماته المسرحية المرئية والمسموعة ؛ بمعني أن الفرجة ليست مقصورة مفردة علاماتية بل هي نتاج تضافر منظومة العلامات في الصورة المسرحية الكلية .

والفرجة تكون في كل ماهو غريب . فكل غريب مثير للفرجة ؛ لأنه يجذب المتلقي ويستوقفه عما عداه ؛ ولو للحظه .. فغرابة شخصية (كاليجولا) (4) تستوقفني . وهذا الاستيقاف فيه خروج عن طبيعتي ..فيه للفرجة التي تستدعي التأمل :
" هيليكون : لاتغضب ياكايوس فما سأقوله .. انما أنت في حاجة الي راحة أولا.
كاليجولا : (جالسا بهدوء) هذا غير ممكن ياهيليكون ولن يكون ممكنا أبدا .
هيليكون : ولم أذن
كاليجولا : اذا نمت فمن يعطيني القمر .. "
ومثل 1لك الاستيقاف التأملي الاضطراري الذي هو بمثابة صدمة درامية للشخصية المسرحية المقابلة قبل أن تكون صدمة للمتلقي للعرض ؛ ماثلة أيضا في موقف (الملك لير )(5) الذي يفتت مملكة الاقطاع الذي هو رأس نظامه بلا من الحفاظ علي وحدته ؛ مما يجعل (بريشت ) ينزع عنها صفة المأساة باعتبار ماحدث خطوة علي طريق التطور الاجتماعي والحضاري علي طريق التقدم المادي التاريخي _ من منظر بريشت الأيديولوجي _ والتأمل هنا يكون بصدد تحليل موقف ى(لير) هل هو موقف نبيل أم هو موقف ساذج . ومثله تأمل موقف ( السيد عمر مكرم)(6) في مسرحية (رجل القلعة) ل (أبو العلا السلاموني) حيث يقف الشعب المصرى علي قدم واحدة وراء ه زعيما فاذابه ينصب علي حكم مصر رجلا أجنبيا هو (محمد علي) هل ذلك يعد نبلا أم زهدا أم يعد ضربا من ضروب السذاجة ؟ ومهما كا، احتداج عمر مكرم بصحة موقفه _آنذاك_ حيث اختار أن يقف رقيبا علي محمد علي خارج دائرة السلطة التنفيذية ؛ متناسيا الظرف الموضوعي الذي يؤكد ترسخ فكرة السمع والطاعة في ثقافتنا وهب الثقافة نفسها التي طبقها الشعب المصري تطبيقا آليا بمسيرنه خلفه هو نفسه وطاعته العمياء خضوعا عند فراره الفردي بوصفه زعيم الأمة بتنصيب أجنبي ألباني علي سريرالحكم _.

والتأمل في المسرح يكون مطلوبا عندما تكون هناك شخصية قي حالة من التأمل.والفرجة هنا تكمن في غرابة مطلب ( كاليجولا) وفي غرابة ماأقدم عليه (لير) وماأقدم عليه )السيد عمر مكرم) وكذلك غرابة مافعله (الملك ) في مسرحية (الملك هو الملك )(7) ل ( سعد الله ونوس)

علي أنني أود التأكيد علي أن تصديري هذا هو مجرد مهاد نظري لاتأكيد فيه علي أنني أعد الفرجة هدفا في ذاتها لذا فضرورة ربطها بالفكر وبالقيم الانسانية والاجتماعية والكونية واستخلاص دلالات منظومة الصورة







2



المسرحية . وربما كان هذا ما ىيفرق بين الفرجة المسرحية والفرجة الاكروباتية في فنون السيرك وفنون التهريج والفنون البهلوانية البحتة أو في الفنون الرياضية . فضلا عن حالة الحضور المتبادل والمتفاعل بين جمهور العرض المسرح ادراكيا ووجدانيا بما يحدثة تغييرا ما في الضميرالاجتماعي والانساني ؛ ذلك أن الفكر مرتبط بالمضامين أما الفرجة فهي نتاج النسق أ والشكل والفكر يحقق الاقناع بينما تتحقق الفرجة بالامتاع .

ولكي تتحقق الفرجة يستخدم المبدع عناصرمتشابهة في الفنون جميعها . ولكنها بالطبع لاتستخدم مجتمعة في عمل فني واحد .

ثانيا: أشكال الفرجة وعلاماتها :
------------------- الشكل هو الاطار الخارجي للمحتوي . وفي ا لمسرح هو أطار خارجي للأحداث الدرامية ؛ وهو يثرى العمل الفني ويوحد بين عناصره (8) ويغرى بتأمل مضامينه وقيمه الكونية الانسانية والفكرية والاجتماعية. فكلما كان أكثر طرافة وقدرة علي الامتاع كان أقدر علي تحقيقالاقناع .ولأن المجتمعات في تغيردائم وفي تشابك وتعقيد من شأنهما خلق صعوبات جمة أمام الاقتناع ؛ لذلك زادت الحاجة الي أطر وطرائق طريفة ومبتكرة ؛ لها من السحر والعجائبية ما يمكنها من الوفاء بواجبها الأول كوسيلة لتغليف القيم وتسريبها الي نفوس المتلقين عبر مشاعرهم وعقولهم . وليس هناك شك في أن العودة الي التراث لاستلهام أشكال التعبيرفضلا عن اشعاعات مضمونية تنويرية تتجدد من عصر الي عصرآخر رغبة في الوصول المؤثر في وجدان المتلقي وعقله .يقول الفريد فرج(9) "ان استخدام التراث كاطار مسرحي أو انتهاج الأسلوب الشعبي القديم في ضرب الأمثولة ، ينطوى علي فصد واضح لاعادة صياغة الحاضر عن طريقة اعادة التراث "، وهوبذلك موقف نقدي وجدلي من التراث. كما أنه موقف نقدي وجدلي من الواقع . وهكذا فان الموضوع يستدعي الاطار المناسب له ، وهو ينظمه ويثريه ويوحد بين علاماته وعناصره وصوره .

وعند الكلام عن أشكال الفرجة ؛ يكون الكلام عن سيميولوجيا المنطور السيتوجرافي ؛ لأن المنظور مرتبط بشكل الفرجة ، فالمشهد التقليدى الذى يؤدى في مسرح العلبة الايطالي يتأسس منظوره علي المواجهة التفاعلية بين المشهد المعرروض وجمهوره . وهي مواحهة بين موقعين( من خيث جغرافية المكان ) أى بين مرسل ورسالة ومتلقي . علي أن المشهد الشعبي يؤدى في فضاء مفتوح (ساحة - جرن – حوش – حقل – سطح مبني –جراج – بدروم ) حيث يتشكل منظور الفرجة تشكيليا تلقائيا بوساطة كل متفرج – علي حده – علي النحو الذي يجد نفسه فيه متمكنا من التواصل البصرى مع العرض المسرحي . وهكذا يرتبط شكل في الممشهد المسرحي الشعبي بمنظور جمهوره .

نخلص مما تقدم الي أن أشكال الفرجة مختلفة من بيئة الي بيئة أخرى ؛ ليس هذا فحسب فقد يكون المنظور مختلفا مابين متلق ومتلق لآخر في تلقي العرض الواحد نفسه وفي توقيت عرضه أيضا. مما يسهم في تعدد دلالة التلقي مابين فرد وفرد آخر؛ ومن ثم يسهم في اثراء عملية الفرجة ويسهم في تفعيل الوهج الابداعي للمؤدين علي اختلاف فنونهم المشاركة في العرض ويجدد طاقاتهم ؛ فضلا عما ينتجه من تباينات الأثر الدرامي والجمالي الجماعي – من حيث الأطار – والفردى من حيث التلقي غير المتوحد مع خطاب العرض نفسه .

ونخلص كذلك الي أن أشكال الفرجة منها ماهو حلقي ؛ حيث يحيط الجمهور بالعرض احاطة دائرية أو نصغ دائرية تبعا للفضاء الجغرافي المتاح للعرض ،ومنها ما هو مواجة ثابتة من حيث التقسيم الجغرافي السابق التحديد والذي تخضع له علاقة الاتصال البصري بين الصورة المسرحية المعروضة وجمهور تلقيها الحاضرحضورا (وجدانيا/ادراكيا)غيرمتوحد أو(وجدانيا) متوحدا مع الخطاب الدرامي (اند ماجيا)- وفق النظرية الأرسطوية -






3


ومن أشكال الفرجة ماكان متحركا ؛ بمعني تغير فضاء المنظر المسرحي مابين موقع جغرافي وموقع جغرافي آخر علي نحو مافعلت في عرض( حلم ليلة صيد )(10) الذي أخرجته عن معالجة مسرحية شعرية كتبتها اعتمادا علي فكرة أدبية حططها الأديب السكندرى (معاوية حنفي) وعرضتها بقلعة قايتباى بالاسكندرية(1982) حيث أتاحت ليساحة القلعة مساحات عريضة ومتنوعة مابين كهوف ومنحدرات وحواصل للجند وأبراح وتلال وبقايا أعمدة وأحجار أثرية وأسطح واطئة أن أنوع فضاءات الفرجة بما يتلاءم مع طبيعة كل مشهد مسرحي :؛ فمشاهد غزو (الاسكندر) وجنوده ومشاهد (عمروبن العاص) وجنوده علي خيولهم تنحدر من أعلي التلة . ومشاهد كهنة(آمون) في مدخل الكهف ومشهد ( المقوقس) يوم غزوة( ابن العاص). لمصر بأعلي البرج حيث يتفاوض علي الاستسلام وشروطه. كذلك أتاح لي ذلك الفضاء الأثرى البديع تحريك الجنود المائة الذين استعرتهم رسميا من معسكر الأمن المركزى بالاسكندرية حيث العرض كان تحت رعاية المحافظ . والذين كانوا يتبدلون مابين ليلة وليلة تالية بعد أن اكتشفت قيادة المعسكر أن بعضهم يردد أقوالا مما حفظوه عن الممثلين . وقد تتغير أماكن جلوس الجمهور أة أماكن وقوفهم علي النحو الذي حدث في عرض مسرحية (السيد حافظ ) وباكورة انتاجه (حدث كما حدث ولكن الم يحدث أى حدث)(11) التي عرضت باتيليه الاسكندرية في نهاية الستينيات برؤية سينوةغرافية متحركة المواقع مابين الحديقة والردهة الداخلية للفيلا التي يشغلها الاتيليه والدرج الصاعد للدور العلوي وهي رؤية للفنان ( فاروق حسني ) – وكان وقتذاك مديرا لقصر ثقافة الأنفوشي- ( وقد لايعرف الكثيرون أنه خريج قسم الفنون التعبيرية –شعبة الديكور المسرحي بكلية الفنون الجميلة بالاسكندرية ) أو علي نحو ماتم عرضه لفرقة تونسية
بمنزل (زينب خاتون ) بحي الجمالية والذي حولته وزارة الثقافة مع عشرات البيوت الفاطمية والمملوكية الي مراكز للآبداع الفني . فقد حرك مخرج عرض( الداليا) التونسي(12) ممثلي عرضه المسرحي من مكان الي مكان آخر بداخل فضاء البيت الأثري ومن ثم تحرك جمهوره خلف الممثلين مابين غرفة وغرفة . وهكذا تغيرت مواقع الفرجة تبعا لخطة المخرج في تغيير مواقع العرض من مشهد الي مشهد . وهكذا يتغير منظور الفرجة ليصبح الجمهور جزءا من العرض علي النحو الذي كان يحدث في مسرح الغرفة الذى استحدثه في مصر الفنان ( عبدالغفار عودة) مدير المسرح المتجول . وعلي ذلك يمكننا القول بتعدد مسميات أشكال الفرجة في المسرح العربي في الربع الأخير من القرن العشرين لتعبر عن واقع ثقافي جديد طامح الي التعدد – عن طريق الفنون ربما تعويضا عن الصوت التراتبي الأوحد الذي سيطر علي حيوات شعوب منطقتنا تحت شعار ( الكل في واحد) أو شعار ( لاصوت يعلو فوق صوت المعركة) أوعلي( صوت الفقيه) أوعلي صوت( الزعيم) أوعلي صوت (الأمير الظلامي الذي يطالب الناس بالسمع والطاعة).

لقد تأثر شباب المسرح المصري والعربي بأشكال الفرجة المسرحية التي وفدت مع زخم عروض مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي علي مدار أعوام تقترب من العام العشرين منذ بداية انشاء مهرجان القاهرة التجريبي بمبادرة تنويرية من الفنان ( فاروق حسني) . كما تأثر شباب المسرح العربي أيضا بالأشكال الاحتفالية المسرحية التي دعا اليها( يوسف ادريس) في تخليق شكل عربي للمسرح – بغض النظر عن ابتعاد محاولة تحقبقه لها عن طريق مسرحيته الشهيرة (الفرافير)(13) لاعتمادها فكريا وفلسفيا علي نظريتين فلسفيتين هما ( الفلسفة الوضعية والفلسفة الوجودية) مما جعل هناك فصلا بين دعوته لتأسيس مسرح شعبي عربي ومضامين نصه الفلسفية التي هي أكبر- ربما - من مستويات فهم الكثيرين من المثقفين .كما تأثر شباب المسرح العربي بدعوة عبد الكريم برشيد وعبد الرحمن بن زيدان في المغرب العربي وتوابعها في الأردن علي يد نادر عمران وجماعة الفوانيس . ولاشك أن أعمال المبدع المغامرالتجريبي (نجيب سرور) المسرحية ابتداء من (مسرواية :ياسين وبهية – الشعرية)(14) شكلت أهم خطوات تخليق شكال عرب شعبي في مسرحنا العربي ؛ دون تنظير يمهد لها ودون طنطنة كلامية أو كتابية ومن المعلوم أن تجربة (المسرواية) عند (سرور) أسبق من تجربة ( توفيق الجكيم ( (بنك القلق)(15). ولاشك أن تأثير أعماله في تجارب شباب المسرح المصري واضحة كل الوضوح حيث نرى تجاور الصور علي نحو قريب من طريقة عرض لوحات في معرض فن تشكيلي . هذا فضلا عن التركيبة الأسلوبية لصايغاته الدرامية التي مزجت بين الدرامية والملحمية والأمثال الشعبية والحكم الي جانب استلهام


4


افتتاحيات مسرحية لما أطلقت عليه (الخطبة الافتتاحية) التي يجمع فيها مقتطفات من نصوص دينية من كتاب ( الخروج الي النهار)


المعروف بكتاب (الموتي) ونصوص من( التوراة) ومن( العهد الجديد) ومن( آيات القرآن ) وشعر (المتنبي) وشعر(المعري) وخطب (عبد الناصر) ومقتطفات من، (ميثاق العمل الوطني ) أو من ( بيان 30 مارس67) . ومن الغريب أن مخرجي عروضه المسرحية يحذفون من نص العرض تلك الخطبة الدرامية علي نحو مافعل (مراد منير) عند اخراجه لمسرحية (منين أجيب ناس)(16) ( مع أن تلك التقديمة المتشظية هي جزء درامي أصيل قارىء لتاريخ شعوب تلك المنطقة المنكوبة بحكامها علي مر العصور والأزمان وهي تحيل النص الي نص معني وليس نصا حاملا للمعني ؛ فالتقديمة تؤكد تواصل التوجيه والارشاد والتحذيربالنص الديني الفرعوتي والسماوي وبالشعر والنثروعلي الرغم من كل تلك النصوص الاصلاحية فلا وجود لآذان تسمع أولقلوب تخشع أولعقول تقنع . ومع ماتقدم فان تجارب المغاربة والمشارقة بما فيها تجارب (نجيب سرور) تتداخل فيها عناصر الدراما الأرسطية مع الدراماالملحمية مع عناصر مستلهمة من تراثنا الأد بي كما في أعمال ( سعد الله ونوس) (الملك هو الملك )(17) وأعمال (برشيد ) ) أمرؤ القيس في باريس) (18).

علي أن للفرجة الشعبية أشكالها المحددة التي تتبلور اطاريا في الحكاية الشعبية وفي الأسطورة واستلهامات الكتاب لهما كما يدخل فيه استخدام الحيوانات الأليفة أإو المستأنسة المدربة علي اللعب أوالمشاركة في عروض مسرحية استعراضية أو درامية فالحكاية الشعبية تستدعي الحكواتي أوالراوي الذي يتحلق الجمهورحوله في حلقة غير تامة وحيث يشخص العديد من الأدوار المتباينة والنقيضة ، يقول (وليد اخلاصي) "النص العربي بالرغم من تجاربه الحديثة استفاد من الموروث الشعبي (كالسامر والحكواتي والروائي ) ولم يخرج عن تقنية النص اليوناني القديم "




تعليقات الفيسبوك

الاثنين، 25 يونيو 2012

مناهــــج النقد المسرحي بشرق المغرب

  1. مناهــــج النقد المسرحي بشرق المغرب

    منقول


    تعرف الجهة الشرقية من المغرب بكونها منطقة متميزة ثقافيا ، إذ أثرت الفعل المسرحي المغربي منذ سنوات السبعين من القرن العشرين بزخم من الإنتاج الدرامي تنظيرا وتطبيقا وممارسة ورؤية، كما أغنته بالعديد من العروض المسرحية الناضجة فرجة وقالبا ومنظورا، وذلك بلغات تعبيرية مختلفة (العربية، والعامية، والأمازيغية، والفرنسية، والإسبانية…)، وضمن مدارس مسرحية متنوعة (كلاسيكية، ورومانسية، وواقعية، وطبيعية، ورمزية، وتجريبية، وسريالية، وتجريدية، وبريختية…).وفي الوقت نفسه، فقد واكب النقد المسرحي بالمنطقة جل ما أنتج من نصوص وعروض وتصورات نظرية درامية متميزة ، وذلك جهويا ووطنيا وعربيا. بل أصبح لهذا النقد الدرامي مناهج ومقاربات في القراءة والتحليل والتقويم والتوجيه، والبعض منها داخلي، والبعض الآخر خارجي.إذاً، ماهي أهم المناهج النقدية التي تسلح بها نقاد المنطقة الشرقية وباحثوها في دراسة المسرح بنية ودلالة ووظيفة ورؤية؟وماهي خصائص هذا النقد ومميزاته منهجا وتصورا وممارسة؟ هذا ما ستعرفونه في هذه الورقة التي بين أيديكم.



    تحديــد مفاهيــم الدراســـة:

    قبل مباشرة البحث في هذا الموضوع، علينا أن نتوقف بإيجاز عند بعض المفاهيم الاصطلاحية تفكيكا وتركيبا، بغية استجماع دلالات الموضوع، واستكشاف مقاصده المباشرة وغير المباشرة. ومن بين هذه المفاهيم التي ينبغي التوقف عندها، نذكر: مفهوم المنطقة الشرقية، ومفهوم المنهج النقدي.
    وعليه، تضم الجهة الشرقية من المغرب الأقصى – كما هو معروف إداريا- مجموعة من المدن والأقاليم التي تزداد توسعا بين حين وآخر ، وذلك في إطار السياسة الجهوية الموسعة التي ينهجها المغرب في السنوات الأخيرة، وهذه المقاطع الترابية هي: وجدة، وفكيك، وجرادة، وتاوريرت، وبركان، والناظور، ودريوش. وقد خضعت هذه الجهة للاستعمار الفرنسي(وجدة، فكيك، تاوريرت، جرادة، بركان) من جهة، والاستعمار الإسباني(الناظور ودريوش) من جهة أخرى، ولا يفصل بين مناطق نفوذ المستعمرين سوى نهر ملوية الذي يصب في البحر الأبيض المتوسط عبر مصب حاضرة السعيدية. وكانت هذه الجهة الشرقية لعقود وسنوات خلت منطقة مهمشة ومقصية من التنمية المستدامة على جميع المستويات والأصعدة، وما تزال هكذا إلى يومنا هذا. بل أكثر من ذلك، كان المستعمر يعدها مغربا غير نافع، وما تزال هذه النظرة مستمرة إلى يومنا هذا عبر تعاقب الحكومات المختلفة، وتناوب الأحزاب السياسية المتعددة الأطياف والألوان، على الرغم مما تتوفر عليه الجهة من إمكانات زاخرة ماديا وماليا ومعنويا وثقافيا.
    أما فيما يخص المفهوم الثاني ، فالمنهج النقدي عبارة عن خطوات محددة بأهداف معينة، وغايات مضبوطة، ومن ثم، فللمنهج مدخلات ومخرجات ووسائل وطرائق، يمكن الانطلاق منها لاختبار فرضياتنا، وتحقيق أهدافنا. فمن الصعب على المرء أن ينجز مجموعة من الأعمال والمشاريع، بدون أن يضع لنفسه خطة إستراتيجية ممنهجة بغية الوصول إلى الأهداف المنشودة. كما أن المنهج النقدي الأدبي هو عبارة عن خطة مرسومة الأهداف والنتائج، يسترشد بها الناقد أثناء تقويمه للعمل الأدبي إيجابا وسلبا، فإما أن يتعامل مع الأثر الأدبي والإبداعي بطريقة ذاتية انطباعية ذوقية، وإما يعتمد على طرائق علمية وصفية موضوعية؛ لتفادي الأحكام المعيارية المعممة، والابتعاد قدر الإمكان عن التقويم الذاتي التفضيلي الذي يتغير من موقف سياقي لآخر. ومن هنا، فالنقد نوعان: نقد وصفي علمي، ونقد معياري تقويمي. كما يمكن الحديث عن منهجين نقديين رئيسين: منهج يركز على النص من الداخل كالمنهج البنيوي والسيميوطيقي…، ومنهج يركز على الخارج، كالمنهج التاريخي، والمنهج الاجتماعي، والمنهج النفسي…

    مناهج النقــــد المسرحـــي:

    عرف النقد المسرحي بالمنطقة الشرقية مجموعة من المناهج والمقاربات الوصفية والتفسيرية ، من أجل التعاطي مع الظواهر المسرحية وقضاياها الدلالية والفنية والجمالية، وذلك إن تحليلا، وإن تقويما، وإن توجيها، وإن فهما، وإن تأويلا. وإليكم مجمل المناهج والمقاربات النقدية التي يعرفها النقد المسرحي بالجهة الشرقية في مجال المسرح، وسنركز في هذه الدراسة على الكتب النقدية المنشورة فقط، دون ذكر المقالات والأبحاث ، سواء أكانت منشورة أم غير منشورة، ولا نذكر كذلك الرسائل والأطروحات الجامعية التي لم تنشر بعد.ومن ناحية أخرى، سنعتمد على ضابط منهجي آخر في تحديد نقاد الجهة الشرقية ، ويتمثل في ضابط أصل الولادة ، بدلا من تمثل مكان العمل والاستقرار.

    منهـــج الظواهــر والقضــايا:

    يعد منهج:” الظواهر والقضايا” من أهم المناهج النقدية التي تعتمد في دراسة المسرح المغربي في المنطقة الشرقية. ويرتبط هذا المنهج النقدي في المغرب بالأستاذ عباس الجراري في مجموعة من كتبه، ولاسيما كتابه:” الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه”، كما يرتبط بالدكتور محمد الكتاني في كتابه:” الصراع بين القديم والجديد”، والدكتور أحمد المجاطي في كتابه:” ظاهرة الشعر الحديث” ، والدكتور عبد السلام شقور في كتابه:” الشعر المغربي في العصر المريني: قضاياه وظواهره” ، والدكتور عبد الحق المريني في كتابه:” شعر الجهاد في الأدب المغربي”، . وقد استلهم الدارسون المغاربة هذا المنهج من كتابات أساتذة الأدب في الجامعات المصرية والعراقية على حد سواء، كما يظهر ذلك واضحا عند نازك الملائكة في كتابها:” قضايا الشعر المعاصر” ، والدكتور عز الدين إسماعيل في كتابه:” الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية”، ومحمد النويهي في كتابه:” قضية الشعر الجديد” .
    هذا، ويعرف الدكتور عباس الجراري منهج الظواهر والقضايا بأنه يستعين:”بفكر نقدي يستند إلى الواقع والمعاصرة، وبجدلية وموضوعية تعتمدان على معطيات استقرائية واستنتاجات منطقية، بعيدا عن أي توثن أو معتقدية متزمتة أو موقف تبريري، إذ في ظني- يقول عباس الجراري- أنه لا يمكن فصل المنهج عن المضمون، كما أنه لا يمكن ممارسة نقد قبلي. أي: نقد سابق على المعرفة.ويقضي محتوى المنهج عندي كذلك أن أنظر إلى تلك القضايا والظواهر من زاوية تعطي الأسبقية للتمثل العقلي على النقد التأثري. أي: بنظرة فكرية عقلانية، وليس على مجرد التذوق الفني النابع من الإحساس الجمالي والتأثر العاطفي والانفعال الانطباعي بالأثر المدروس. وإن كنت لا أنكر أهمية المنهج الفني وجدواه بالنسبة لنوع معين من الموضوعات، وقد سبق لي أن جربته في بعض الأبحاث، وخاصة في دراسة لي منشورة عن:” فنية التعبير في شعر ابن زيدون”.
    وبهذا، يحقق المنهج جملة أهداف، في طليعتها الكشف عن مواطن الجمال، وعن الدلالات الفنية، وما ينبثق عنها من حرارة يحث تحسسها على إدراك ما يتكثف تلك الدلالات من مضامين فكرية، باعتبار الجانب الفني المتمحور حول اللغة وبنائها التركيبي ظاهرا يبطن فكرا، أو أنه بعد أولى يخفي أبعادا أخرى عميقة. وبذلك تبرز قيمة الإبداع، وتبرز من خلالها كل الشحنات الشعرية والطاقات الفكرية والمضامين الإنسانية والأبعاد الصراعية سلبا وإيجابا.
    كما يحقق المنهج من أهدافه إثبات الوقائع، وربطها بالأسباب، ووصف الظواهر، وتعليلها، والبحث عن بواعثها الخفية والظاهرة القريبة والبعيدة، واستخلاص العلاقات التفاعلية بينها وبين غيرها”[1].
    ومن هنا، فمنهج الظواهر والقضايا منهج صالح لدراسة مجموعة من الملامح الأدبية الكبرى والبارزة في الساحة الثقافية والأدبية، مع استكشاف دلالات الظواهر اللافتة للانتباه داخل المجتمع من النواحي الدلالية والفنية والمقصدية، اعتمادا على الاستقصاء، والاستقراء، والارتكان إلى الوصفية، والعقلانية، والموضوعية، وجدلية المضمون والشكل، دون إهمال الذاتية والذوق والأحكام المعيارية التفضيلية. ويعني هذا أن منهج الظواهر والقضايا منهج وصفي تحليلي، وطريقة تفسيرية نستعين بها لدراسة السياق الخارجي والتاريخي ، بغية معرفة إفرازات الظاهرة الأدبية، وتبيان دلالاتها ومقاصدها الفكرية والمرجعية، ورصد صيغها التعبيرية والفنية والجمالية.
    وتأسيسا على ما سبق، يعد مصطفى رمضاني من أهم نقاد المنطقة الشرقية الذين تمثلوا هذا المنهج النقدي بشكل من الأشكال في كتابه:”قضايا المسرح الاحتفالي”، ذلك الكتاب الذي تناول فيه قضايا الاحتفالية الموضوعية والفنية، من خلال التركيز على مجموعة من الخصائص الدلالية والفنية والجمالية التي يتسم بها المسرح الاحتفالي عند عبد الكريم برشيد[2]. إذ يبدأ كتابه باستعراض أهم الأسباب الذاتية والموضوعية التي أفرزت الاحتفالية بصفة عامة، وجماعة المسرح الاحتفالي بصفة خاصة. ويعني هذا أن الناقد يتكئ على مقترب تاريخي ومرجعي لاستقراء الظروف التاريخية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والنفسية، التي ساهمت في بلورة المسرح الاحتفالي، إن تنظيرا، وإن تطبيقا، وإن إبداعا.
    هذا، ويتناول الناقد في القسم الثاني من الكتاب مجموعة من المرتكزات النظرية والأدبية الأساسية للمسرح الاحتفالي، و يحصرها الناقد في الخصائص التالية: الاحتفال والتحدي، والإدهاش، والتجاوز، والشمولية، والتجريبية، والاهتمام بالتراث، والشعبية، والإنسانية، والتلقائية، والمشاركة الكلية، والواقعية. كما يشير إلى بعض القضايا والظواهر الأخرى التي يمتاز بها المسرح الاحتفالي، كالنص الاحتفالي، واللغة الاحتفالية. وبعد ذلك، ينتقل الناقد إلى دراسة المكونات السينوغرافية في المسرح الاحتفالي ، من ديكور، وملابس، وإنارة، وموسيقا، وماكياج، وممثل. وقد خصص القسم الثالث لموقع الاحتفالية في النقد المسرحي المغربي والعربي سلبا وإيجابا. وينهي الدارس كتابه القيم بدراسة نقدية تطبيقية تشريحية، يتناول فيه مسرحية عبد الكريم برشيد:” عطيل والخيل والبارود” بالدرس والفحص والتحليل والتأويل، باحثا عن مختلف التجليات الاحتفالية في هذه المسرحية مضمونا وشكلا ورؤية.
    المنهــــج التاريخــــي:

    يستند المنهج التاريخي إلى التحقيب ، والتوثيق، والأرشفة، والتصنيف. كما يرصد مختلف المراحل التاريخية التي يعرفها المسرح المغربي في صيرورته التطورية، من خلال التشديد على التطور، والمراحل، والتعاقب، والبدايات، والنهايات. ويتم الرصد التاريخي إما بشكل متسلسل، وإما بشكل متقطع، وإما بشكل متداخل.ومن أهم الكتب التي تمثلت المنهج التاريخي، نستحضر كتاب ” المسرح الأمازيغي” لجميل حمداوي[3]، حيث يحفر الباحث في ذاكرة المسرح الأمازيغي قديما وحديثا، متتبعا المنهج الأركيولوجي في إثبات هذا المسرح، باستقراء الوثائق والآثار والنصوص، بغية تحصيل مجموعة من النتائج لفرضيات وأسئلة وإشكاليات مطروحة، وقد توصل الباحث إلى أن المسرح المغربي قديم الجذور والمنابت والأصول، ولم يظهر حديثا مع مسرح الطيب الصديقي، أو مع المسرح المدرسي في سنة 1923م، بل له جذور قديمة تعود إلى المرحلة اللاتينية أو الرومانية. ومن ثم، فقد مر هذا المسرح بمجموعة من المراحل التاريخية المتعاقبة والمتقطعة، حتى أصبح اليوم مسرحا متميزا ومتفردا في اتجاهاته الإخراجية، و بناه الدلالية والفنية والجمالية.
    ويتجسد هذا المنهج النقدي كذلك في كتاب جميل حمداوي:” مسرح الأطفال بالمغرب”[4]، حيث يتتبع الناقد مسرح الأطفال بصفة عامة، والمسرح المدرسي بصفة خاصة، بالدرس، والتحقيب، والأرشفة، والتوثيق، مع ذكر مختلف أشكال مسرح الطفل وأنواعه بنية ودلالة ووظيفة.

    المنهــــج الفنـــي:

    يعتمد المنهج الفني على استكشاف الخصائص الفنية، وتبيان المقومات الجمالية التي تتسم بها الظواهر المسرحية.ويعني هذا أن الناقد الفني يركز كثيرا على المعطيات الشكلية من جهة، والمقومات اللغوية والأسلوبية والإيقاعية والتركيبية والبنائية من جهة أخرى، دون نسيان المضامين والقضايا والأحداث التاريخية. ومن أهم الكتب النقدية التي تندرج ضمن المنهج الفني ما كتبه مصطفى رمضاني تحت عنوان:” مسرح عبد الكريم برشيد: التصور والإنجاز”[5]. ويجمع هذا الكتاب بين الجانبين: النظري والتطبيقي. كما ينطلق هذا المصنف من المنهج الفني في دراسة تصورات عبد الكريم برشيد التنظيرية، ورصد إنجازاته الإبداعية والنقدية. بيد أن مصطفى رمضاني لم يقف عند حدود المنهج الفني فقط، بل تجاوز ذلك إلى استخدام مناهج نقدية أخرى، كالمنهج التاريخي، والمنهج الاجتماعي، ومنهج التلقي، وذلك أثناء حديثه عن علاقة المسرح الاحتفالي بالجمهور.ومن المؤكد أن الدكتور مصطفى رمضاني هو ناقد الاحتفالية بصفة عامة، والمسرح الاحتفالي بصفة خاصة. فقد كتب الكثير من المقالات والدراسات في تشريح النظرية الاحتفالية، والدفاع عن مبادئ المسرح الاحتفالي صياغة ودلالة ووظيفة، وتصدى بنقده الهادئ لكل من سولت نفسه أن يخدش صورة عبد الكريم برشيد، أو يحاول أن يتزايد عليه في المعرفة الدرامية والثقافة المسرحية . ويقف مصطفى الرمضاني أيضا بكل شجاعة وجرأة في وجه كل من يحاول أن يسخر نقده اللاذع للمس بالنظرية الاحتفالية، ولاسيما إذا كان صاحبه لا يستند إلى أسس علمية وأكاديمية. وفي المقابل، نجد الدكتور مصطفى رمضاني باحثا موضوعيا في أبحاثه ومقالاته ودراساته، يتبنى منهجا علميا أكاديميا رصينا في تتبع النظرية الاحتفالية في تضاريسها التاريخية والدلالية والشكلية والنظرية والإبداعية؛ مما أظهره هذا الدفاع بمثابة محامي عبد الكريم برشيد بامتياز، أو بصورة تلميذ مجتهد وفي ومخلص، يعترف لأستاذه القدير بالجميل والثناء والعرفان.
    هذا، ويرى مصطفى رمضاني في كتابه بأن النظرية الاحتفالية لم تظهر إلا في أواسط السبعينيات من القرن الماضي مع مسرح الهواة، وظهور مجموعة من الاتجاهات المسرحية التي ظهرت كرد فعل على المسرح الاحتفالي الذي نظر له عبد الكريم برشيد، وهذه الاتجاهات هي: المسرح الثالث مع المسكيني الصغير، ومسرح المرحلة مع الحوري الحسين، والمسرح الفردي مع عبد الحق الزروالي ، ومسرح النقد والشهادة مع محمد مسكين. لكن بداية البحث في التأسيس والتأصيل المسرحي لم تتحقق في الحقيقة إلا في منتصف الستينيات، وامتد هذا البحث مع السبعينيات وعقد الثمانين مع تصورات كل من: يوسف إدريس، وتوفيق الحكيم، وعلي الراعي في مصر، وعز الدين المدني في تونس، ومسرح التسييس بسوريا، وفرقة الحكواتي بلبنان، والفوانيس بالأردن، وجماعة السرادق بمصر. وإن كان التأصيل التراثي قد انطلق مع بدايات المسرح العربي، ولاسيما مع محاولة أبي خليل القباني، ومارون النقاش، ويعقوب صنوع، ومحمد تيمور.
    وعليه، فلقد أصدر عبد الكريم برشيد مجموعة من البيانات الفردية منذ بيانه الأول سنة 1976م، معلنا تأسيسه لمشروع مسرحي جديد، يتمثل في النظرية الاحتفالية والمسرح الاحتفالي. كما ظهرت بيانات جماعية لأعضاء المسرح الاحتفالي للتعريف بالنظرية المسرحية الاحتفالية، وتبيان مرتكزاتها الفنية والجمالية والفلسفية التي تؤسس لمسرح عربي جديد مغاير للمسرح الغربي. كما انصبت هذه البيانات الفردية والجماعية على شرح النظرية، وتوضيح أسسها الدلالية والتقنية في مجال السينوغرافيا، والإخراج، وتأليف النص الاحتفالي.
    ومن هنا، فالمسرح الاحتفالي هو تركيب جديد، يجمع بين ماهو ذهني ووجداني. فهو مسرح مخالف للمسرح الملحمي البريختي، الذي يعد مسرحا تعليميا عقلانيا وذهنيا، يخاطب العقل والوعي الإيديولوجي. في حين، لا يخاطب المسرح الدرامي، أو ما يسمى كذلك بالمسرح العاطفي، سوى الإحساس والجوانب الذاتية الشعورية لدى المتفرج. بيد أن أستاذنا مصطفى رمضاني يصحح تصور عبد الكريم برشيد حول البريختية، ذاهبا إلى أن المسرح البريختي يجمع بين الإحساس والعقل معا. ومن ثم، فالاحتفالية نظرية مسرحية قائمة على الحفل والاحتفال، وأن جذور المسرح احتفالية مع بدايات المسرح اليوناني، الذي كان يقدم فرجته الاحتفالية لمباركة الإله ديونيسوس. ومن هنا، يعد التراث من أهم مكونات النظرية الاحتفالية إلى جانب خصائص أخرى، مثل: الشعبية ، والعفوية، والتلقائية،ودائرية الزمن، والتحدي، والإدهاش ، والتحرر من العلبة الإيطالية نحو فضاءات خارجية ترتبط بالشعب والجماهير. كما ترتكز النظرية الاحتفالية على تكسير الجدار الرابع، ورفض نظريتي: الاندماج الأرسطي و التغريب البريختي، وتستبدلهما باللاندماج الاحتفالي. و تثور النظرية الاحتفالية أيضا على مقومات الشعرية الأرسطية، كالوحدات الثلاث، وتقسيم المسرحية إلى فصول ومشاهد ، وتستبدل ذلك بالمسرح الدائري ، والسينوغرافيا القائمة على الاقتصاد، والتقشف في الديكور، وتشغيل مكونات الفن المسرحي الشامل، من غناء، ورقص، ورواية، وشعر، وتمثيل….ويسمي الاحتفاليون الفصل المسرحي بالحفل أو النفس الاحتفالي، ويسمى الممثل والمتلقي بالمحتفل، والعرض بالاحتفال المسرحي. ويلاحظ كل راصد للمسرح الاحتفالي مدى اندماج الجمهور مع الممثلين في تقديم حفلهم الدرامي، عن طريق الارتجال والمشاركة الوجدانية الحميمة، دون أن يكون هناك استلاب للمتفرج؛ لأن الاحتفالية ثورة على التزييف، والتمويه، وتزوير الحقائق. إلا أن الكثير من النقاد يعتبرون الاحتفالية نظرية رجعية، تهادن الإقطاع والسلطة، وهناك من يعدها في هذا الاتجاه التوعوي نوعا من البريختية الجديدة. بيد أن عبد الكريم برشيد يرفض نظرية بريخت؛ لأنها ماركسية التصور، تحاول أن تفرض على الراصد الدرامي موقفا إيديولوجيا معينا، على عكس الاحتفالية التي تصل إلى عقل الراصد ووجدانه عن طريق الحجاج الموضوعي، والاقتناع الشخصي، والإدراك الذاتي، بدون فرض ولا إجبار ولا قسر.
    هذا، ومن أهم الكتب النقدية الأخرى التي تتبنى المنهج الفني كتاب:” خطاب التأسيس في مسرح النقد والشهادة”[6] لمحمد جلال أعراب ، حيث يتناول فيه مجموعة من الخصائص الفنية والجمالية التي يتسم بها مسرح محمد مسكين على مستوى التصور النظري والممارسة التطبيقية. ويركز محمد جلال أعراب على مجموعة من المحاور الأساسية في مسرح محمد مسكين: كالتنظير المسرحي، ومفهوم الكتابة، والاهتمام بالكولاج، وتبيان أنواع الحدث المسرحي، كالحدث التاريخي، والحدث الإنساني، والحدث السياسي، والحدث الواقعي والاجتماعي، والحدث المتخيل، والاهتمام بالشخصية المرجعية والرمزية والتراثية، دون أن ينسى الباحث دراسة الحوار الدرامي في مسرح محمد مسكين، وتبيان طبيعة لغته الدرامية، والإشارة إلى التناص التراثي بكل أنواع وتجلياته الرمزية، والحديث عن الكوميديا السوداء، واستحضار المسرح المسكيني للمتلقي أو الجمهور ، وذلك عبر آليات التجريب، والتغريب، والتباعد، والميتامسرح، مع التأكيد على مدى تأثر محمد مسكين بالمنهج البريختي في تركيب المسرحية إخراجا وتأثيثا وتشخيصا.

    المنهج السوسيولوجي:

    يرتكن المنهج السوسيولوجي أو الاجتماعي إلى تحليل المسرح فهما وتفسيرا وتأويلا، بدراسة النص أو العرض الدرامي في ضوء المعطيات التاريخية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية ، والإيديولوجية، من خلال ربط الإبداع المسرحي بواقعه الاجتماعي بطريقة مباشرة ( المنهج الاجتماعي) ، أو بطريقة غير مباشرة ( البنيوية التكوينية)، أو ربطه بعمليات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك (سوسيولوجية الأدب). ومن أهم الدراسات التي تحسب على المنهج السوسيولوجي، نستحضر كتاب :” جدل القراءة ” لنجيب العوفي[7]، بحيث يخصص المسرح المغربي بفصل من كتابه تحت عنوان:” المسرح المغربي: بانوراما تاريخية”، وينطلق فيه من مرجعيات سوسيولوجية، ومنطلقات إيديولوجية، من خلال ربط المسرح المغربي في تطوره بتطور الواقع المغربي انعكاسا ومحاكاة وأدلجة. والدليل على ذلك ما يورده نجيب العوفي في كتابه من فقرات متنوعة قصرا وطولا، تحمل في طياتها أبعادا سوسيولوجية وإيديولوجية ، تربط المسرح بالرؤى الطبقية، وترصد التفاوت الاجتماعي داخل المجتمع المغربي، وتصدر أحكاما نقدية قريبة من الإيديولوجيا الإسقاطية منها إلى التحليل النقدي الموضوعي:” إن الفن المسرحي كان وما يزال يتسم بحساسية فكرية وإيديولوجية فائقة، وذلك لمباشرته وعلاقته الحية والدينامية بالجمهور، متعلما كان أم أميا، بحيث تبدو المسافة بين الوجه والقناع، بين المشهد والدلالة، مسافة دقيقة وشفافة، يسهل اختراقها وإلغاؤها.لهذا، تبدو الكتابة المسرحية مرآة مصقولة تعكس بوضوح المشارب الأيديولوجية والمصالح الطبقية.أي: إن الكتابة المسرحية تصبح على هذا الأساس، سلاحا إيديولوجيا هاما في مجال الصراع الاجتماعي، تحاول كل طبقة أن تستغله لمصلحتها وأهدافها.وهكذا، تبدو الخريطة المسرحية في المغرب موزعة على نحو مأساوي بين السلطة الرسمية من جهة بمؤسساتها وطوابيرها، وبين السلطة المضادة والمقموعة ، بتناقضاتها واختلافاتها من جهة ثانية.وفي المسافة الواقعة بين السلطتين، تقوم فئات ثالثة بلعبة الأكروبات الانتهازية على خشبة المسرح المغربي.[8]”
    وما هذا المقتطف النصي إلا نموذج واحد من التحليل الذي يرسمه نجيب العوفي للمسرح المغربي، والذي يقوم على التأويل السوسيولوجي الذي يطفح بالنزعة الإيديولوجية، والربط الانعكاسي المرآوي بين البنية الأدبية والواقع الاجتماعي الزاخر بالتناقضات الجدلية.

    المنهـــــج الإقليمــــي:

    يعد المنهج الإقليمي أو البيئي من المناهج النقدية المعروفة في ثقافتنا العربية القديمة، و يعنى بدراسة الأدب حسب المكان أو البيئة أو المحيط أو الحي أو المدينة أو الإقليم أو الجهة. ومن ثم، يعد ابن سلام الجمحي سباقا إلى تصنيف الشعراء حسب بيئاتهم الإقليمية ، وذلك في كتابه النقدي :” طبقات فحول الشعراء”[9].وبعده، تبعه مجموعة من النقاد القدامى، كالقاضي الجرجاني، والثعالبي، وابن رشيق القيرواني… كما اهتم النقاد العرب المحدثون والمعاصرون بدراسة الأدب إبداعا ونقدا في ضوء المقاربة الإقليمية ، كما يتضح ذلك جليا عند أحمد الإسكندري، وأحمد حسن الزيات، وجورجي زيدان، وأحمد ضيف، وأمين الخولي، وطه حسين ، وشوقي ضيف، وعبد الله كنون، وعباس الجراري، ومحمد المختار السوسي، وابن تاويت[10]…
    هذا، ومن أهم الكتب المسرحية التي تندرج ضمن المقاربة البيئية أو الإقليمية، نذكر: كتاب :”الحركة المسرحية بطنجة” لرضوان أحدادو[11]، وكتاب:” الحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة” لمصطفى رمضاني[12]، وكتاب:”المجتمع الأصيلي والمسرح” لمصطفى عبد السلام المهماه[13]، و” ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل” لمحمد حمداوي[14]، وكتاب: ” التأليف المسرحي بشرق المغرب” لحياة خطابي[15]،…
    وهكذا، فقد تناول مصطفى رمضاني وحياة خطابي تاريخ الحركة المسرحية بمدينة وجدة. في حين، تناول رضوان أحدادو تاريخ الحركة المسرحية بطنجة، وتناول محمد حمداوي مهرجان المسرح الربيعي الذي تشرف عليه حركة الطفولة الشعبية بمدينة الناظور، بينما ركز مصطفى عبد السلام المهماه على تاريخ الحركة المسرحية بمدينة أصيلا.
    وعليه، فقد تتبع مصطفى رمضاني في كتابه:” الحركة المسرحية بوجدة” نشأة المسرح المغربي بمدينة وجدة ، منذ أن دخلها المستعمر الفرنسي سنة 1907م إلى مرحلة منتصف التسعينيات من القرن العشرين. وقد ركز الناقد على مرحلتين أساسيتين من تطور المسرح بمدينة وجهة : مرحلة التأسيس التي تمتد إلى سنوات الستين من القرن الماضي، ومرحلة الحداثة التي تبتدئ مع مسرح الهواة في سنوات السبعين، وتسمى هذه المرحلة أيضا بفترة النضج المسرحي. وإذا كانت بدايات المسرح بوجدة إلى حد كبير محتشمة إبان فترة الحماية الفرنسية، فيها تأثر واضح بالمسرح المولييري الفرنسي من جهة، وتأثر جلي بالمسرحين: المصري(الفرق المصرية التي زارت الجزائر) والتركي (خيال الظل/القراقوز) من جهة أخرى. إلا أن المسرح الوجدي، بعد فترة الاستقلال، سيرتبط ارتباطا وثيقا بالمؤسسات التعليمية والحزبية والنقابية، وسيقترن كذلك بالجمعيات الفنية والثقافية والإصلاحية إلى غاية سنوات الستين.لكن المسرح بمدينة وجدة لن يعرف نضجه وانتعاشه وازدهاره الفني إلا في سنوات السبعين، مع انطلاق مسرح الهواة، وخاصة مع ظهور المسرح العمالي الذي كان يتزعمه محمد مسكين والمخرج يحي بودلال، وظهور المسرح الطلائعي مع المخرج عمر درويش. ومن ثم، يتوقف مصطفى رمضاني في مقاربته الإقليمية عند علمين كبيرين في مجال المسرح بمدينة وجدة ألا وهما: محمد مسكين مؤسس نظرية النقد والشهادة، ولحسن قناني رائد الكوميديا السوداء أو الكوميك الصادم.
    وهناك كتاب آخر تطرق إلى الحركة المسرحية بشرق المغرب، وخاصة في مدينة وجدة، من وجهة إقليمية أو بيئية، وهو تحت عنوان:” التأليف المسرحي بشرق المغرب” لحياة خطابي[16]، وتتناول فيه الباحثة الكتابة المسرحية بين التأسيس والتحديث. وبعد أن تقدم الدارسة فرشا تاريخيا للحركة المسرحية بمدينة وجدة، من خلال ذكر مجموعة من الجمعيات التي ساهمت في إثراء الفعل المسرحي بالمدينة، كالمسرح العمالي، وجمعية المسرح البلدي، وجمعية المسرح الشعبي، وجمعية المسرح الطلائعي ، وفرقة المسرح الجامعي للبحث الدرامي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التي تأسست مع مصطفى رمضاني سنة 1992م…تنتقل الدارسة إلى تقسيم مراحل التأليف المسرحي بوجدة إلى مرحلتين متعاقبتين: المرحلة الكلاسيكية مع يحيى العتيقي الذي قدم مجموعة من النصوص المسرحية الكلاسيكية الخاضعة للوحدات الأرسطية الثلاث ، كما يظهر ذلك جليا في مسرحياته:” هذه هي الحقيقة ولكن…”، و” إنما مثل الحياة الدنيا”، و” دعوة إلى السلام”. وفي هذا الصدد ، تقول حياة خطابي:” إن مسرحيات يحيى العتيقي نموذج للكتابة بالنمط التقليدي الممزوج بروح الكلاسيكية التي كانت تطبعها، وتقيد حريتها، ومراعاتها للوحدات الثلاث للمحاكاة الأرسطية، وللعناصر المؤسسة للنص المسرحي من بداية وصراع وانفجار، وبنخبويتها، لكونها تتوجه إلى جمهور خاص، يقتضي سياسة المهادنة، ودغدغة الشعور، وبوقوفها وراء الأحداث الساخنة، وتكريسها لما هو قائم منه.كما أنها مثال للدراما التقليدية التي تركز على الأسلوب البلاغي في الطرح، مما يغرقها في اللاواقعية، ويجعلها تمارس فعلا الاستلاب على المتلقي، الذي لا يجد أمامه من خيار إلا أن يتماهى مع ما يشاهد أو ما يقرأ ، لأنه يمارس عليه فعل التطهير كما نادى به أرسطو، بما يثيره في النفس من رحمة وخوف.”[17]
    ومن جهة أخرى، يمكن الحديث عن مرحلة الحداثة على مستوى الكتابة النصية، كما يتجلى ذلك واضحا للعيان عند عبد السلام لوديي (النقاش، والكاشف، والبحار، والمستور، وسفينة الوحدة، والظل الأحمر…)، ومحمد مسكين( امرأة قميص وزغاريد، ومهرجان لمهابيل، واصبر يا أيوب، ونيرون السفير المتجول…)، ولحسن قناني(تقاسيم باسمة على وتر حزين، والجار والمجرور،ورغيف سيزيف، وسيكبر حنظلة..)، ونور الدين الطيبي( الحال والمحال…)، وجلول أعراج (الزحام، والعصف والريحان…)، ومحمد بيوض(سر في البركان، والسوط…)، وبلعيد أبو يوسف (الليل يموت عند الفجر…)، ومحمد المعزوز( الماء والقربان، وابتهاج الرؤيا…)، وبن يحيى العزاوي( مرايا…)، ومحمد حامدي(مهرجان الأحلام…)، وحسن الأمراني(البحر والرجال…)، ومصطفى رمضاني(أطفال البسوس، ولحساب تالي، وبني قردون…)، ومحمد أوجار (ليف…)…
    وعليه، تمتاز الكتابة المسرحية الحديثة بوجدة بمجموعة من الخصائص والمميزات الدلالية والفنية والجمالية، ويمكن حصرها في: التحرر من الخطابية المباشرة، والميل إلى التخييل، وتجاوز الواقعي نحو الرمزي والشعري والفانطاستيكي، واختراق الأجناس الأدبية، والارتكان إلى التعددية البوليفونية لغة وأسلوبا، والجنوح نحو العمق الفلسفي، والاهتمام بالمتلقي ، وتغليب الاستعارة والإدهاش، والتمرد على السائد الفني والسائد الثقافي، والاعتماد على الصورة المسرحية المتحركة، والربط بين الكتابة المحلية الجديدة والبعد الإنساني، وجدلية الشكل والمضمون، وتكسير نموذج البطل، وتخريب البنية الحدثية تكسيرا وتشظيا، وتجميع أشتات الحكايات الإطارية، وترتيب بنياتها، وتشغيل النهاية المفتوحة(عبد السلام لوديي مثلا)، وتنويع البني الدرامية، واستعمال تقنية الحلم (محمد حامدي)، واستخدام التناص بكل أشكاله الإحالية، وندرة الإشارات الركحية، وتقديم النصوص المسرحية من خلال رؤية إخراجية كما عند لحسن قناني ومصطفى رمضاني ، وتعدد الأنساق اللغوية (الفصحى، والعامية، واللغة الثالثة، والمصرية، والشامية، والعامية الشرقية، واللغات الأجنبية…)، والتحرر من اللغة الرسمية، والميل إلى الرمزية والشاعرية والإيقاعية في استخدام اللغة، وتوظيف الكتابة التراثية، وخاصة الكتابة المقامية ، وتوظيف الملحون ، كما يبدو ذلك واضحا عند بلعيد أبو يوسف ومحمد بيوض…
    ويلاحظ أيضا أن الكتابة المسرحية الجديدة بوجدة تصدر عن مثقفين عضويين وواقعيين، يحملون رؤى إيديولوجية مختلفة، ويهدفون إلى تغيير الواقع السائد، باستشراف واقع ممكن أفضل ، كما يبدو ذلك واضحا عند محمد مسكين، ولحسن قناني، ومصطفى رمضاني مثلا. كما تنبني هذه الكتابة على مسرح النفي والنقد والشهادة عند محمد مسكين من جهة أولى، وعلى الكوميديا السوداء عند لحسن قناني ومصطفى رمضاني من جهة ثانية ، والواقعية الإسلامية عند حسن الأمراني كما في مسرحيته: ” البحر والرجال” من جهة ثالثة. ومن جهة رابعة، يحضر مسرح التسييس جليا في الكتابة المسرحية الوجدية، بانتقاد السلطة في عنفها الرمزي والمادي والمعنوي، وتعرية تصوراتها الأيديولوجية والديماغوجية.
    وتنهي الكاتبة بحثها القيم بكون الكتابة المسرحية الوجدية الجديدة تنحو منحى التجريب، باستلهام التراث، وتمثل أشكاله الفطرية، وتشغيل الذاكرة المحلية، واستخدام الحكايات الشعبية والأغنية الشعبية المحلية، وذلك في إطار فرجة شاملة وكاملة، واستعمال كتابة مغايرة ومخالفة قائمة على الانشطار، وتكسير مبدأ الأحادية، وإدخال القارئ في جدلية دائمة مع المؤلف، لملء الفراغات، واستكمال البياضات، وممارسة التأويل، وتفكيك البناء المعماري الكلاسيكي…
    وفي الأخير، ليس لدينا من ملاحظة على الكتاب سوى أن عنوانه لا ينسجم إطلاقا مع متن الدراسة، فقد اشتغلت الباحثة على نصوص مدينة وجدة، ولم تهتم بكتابات المنطقة الشرقية الأخرى التي لها وزنها وباعها في المجال الدرامي والفني والجمالي والرؤيوي. لذا، ينبغي تغيير العنوان ليكون بهذه الصيغة:” بنية التأليف المسرحي بمدينة وجدة من التأسيس إلى التجريب”.
    أما إذا انتقلنا إلى كتاب:” ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل” لمحمد حمداوي، فهو كتاب مونوغرافي يدرس جزءا من الحركة المسرحية بمدينة الناظور، وخاصة ما يتعلق بمسرح الطفل الذي تشرف عليه حركة الطفولة الشعبية بالمدينة نفسها، من خلال تنظيم لمهرجان مسرح الطفل كل ربيع سنوي. زد على ذلك، فالكتاب يعتمد على التأريخ ، والتحقيب، والتوصيف، والتصنيف، والأرشفة، مع تقديم دراسات نقدية للمسرحيات الطفلية المعروضة في المهرجان. كما يلتجئ الكتاب من ناحية أخرى إلى التوثيق الببليوغرافي، بجمع المتون والعروض المسرحية ، مع التعريف بكل الفرق المسرحية التي شاركت في مهرجانات هذا المسرح بمدينة الناظور.

    المنهـــج الانطبـــــاعي:

    يرتكز المنهج الانطباعي على استخدام الذوق الفني والجمالي، والانطلاق من معايير ومقاييس تأثرية مصدرها القلب والعاطفة والوجدان. ومن ثم، تتسم أحكام هذا النقد بالتعميم، والإطلاقية، والتسرع في إبداء الآراء الشخصية، والميل إلى الاختصار والابتسار في تحليل المعطى المسرحي. وقد ظهر النقد المسرحي الانطباعي في المغرب منذ فترة الحماية ، حيث ارتبط هذا النقد بالصحف من جرائد ومجلات، واتخذ طابعا تعريفيا، يقوم على تلخيص المسرحية بذكر مضمونها العام، مع رصد جوانبها الدلالية والفنية بشكل مختصر، والابتعاد عن التحليل الدراماتورجي، والاكتفاء ببعض الإشارات الفنية التي تتعلق باللغة والحوار والديكور والملابس…ومن أهم النقاد الانطباعيين في المسرح المغربي، نستدعي كلا من : عبد الواحد الشاوي، وأبي بكر عواد، ومحمد الأوراوي، ومحمد حسن الرامي، ومحمد السوسي، وعبد الكبير الفاسي، ومحمد بن الشيخ…[18]
    وما يزال هذا النقد المسرحي الانطباعي التأثري بالجهة الشرقية ممتدا في ساحتنا الثقافية ، حيث يتخذ في غالب الأحيان طابعا صحفيا ورقميا من جهة، وطابعا سجاليا من جهة أخرى ، كما نجد ذلك واضحا في كتابات عبد الكريم برشيد في كثير من كتاباته النقدية السجالية التي تتخذ شكل ردود موضوعية وعنيفة على معارضي نظريته الاحتفالية، كما يتبين ذلك جليا في كتابيه: ” الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة- الجزء الأول”[19]، وكتاب:”الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة- الجزء الثاني”[20]…

    المنهـــج الجـــــمالي:

    يهتم المنهج الجمالي بدراسة مكونات الجمال في المسرحية أو العرض المسرحي من جهة، ودراسة عمليات الرصد والتلقي الجمالي من جهة أخرى. ومن أهم الكتب النقدية ذات الطابع الجمالي بالجهة الشرقية، نستحضر كتاب: ” النص- العرض في المسرح” للبشير القمري[21]…
    هذا، ويتضح منهج الناقد جليا في مقدمة كتابه الصغير الحجم:” النص هوية إبداعية، أدبية، لغوية، قابلة للقراءة النصية. أما العرض فهو هوية جمالية بالأساس، تؤسس، من خلال الفرجة ، لمواثيق قراءات متعددة في صلب الأنظمة الإشارية المتراكبة خارج مدارات النص المكتوب على الورق- داخل النص المرئي على الركح.الهوية الأولى ثابتة وراسخة: نص الكاتب- المؤلف، نص القارئ.الهوية الثانية متغيرة: نص المخرج، ونص الممثل، ونص السينوغراف، ونص المتلقي، ونص الناقد.
    بهذا المعنى: النص المسرحي متعدد، وهذا التعدد قائم فيه عندما يتوحل إلى مادة سميعية- بصرية، تشغل إمكانات لانهائية لتقريبه من احتمالات الغربة والتأويل، في ضوء ثقافة المتلقي بكل تشعباته التي تراهن عليها نظرية التلقي، مشفوعة أيضا بجمالية التلقي أو تداولية التلقي: الأولى ترتبط رأسا بالقارئ، بينما تراهن الثانية على منظومة الوعي الفني، وتميل الثالثة إلى الربط بينها، انطلاقا من ممارسة حفريات في النص والعرض معا ، عبر نظام اللغة والخطاب والملفوظ والدلالة.
    ظاهريا، تبدو هذه القناعات النظرية مفصولة ومنفصلة ، لكنها في العمق متماسكة، وبغض النظر عن كون نظرية التلقي ترصد ارتحال النص عبر الزمان والمكان والتاريخ والمجتمع، فإنها تظل المنطلق في رسم الحدود الكبرى للكتابة المسرحية لدى هذا الكاتب أو ذاك.
    وتأتي جمالية التلقي لتشيد تاريخا آخر هو تاريخ الإخراج مثلا أو تاريخ الاقتباس والتحويل والاستنبات، ومن خلال ذلك يتخذ النص- العرض هوية مضاعفة توجد في المابين : الأدب والكتابة من جهة، الفن وترجمة النص إلى فرجة، كما يرى باتريس بافيس.أما تداولية التلقي فهي رهان من ضمن رهانات أخرى تعيد إلى الواجهة سؤال التنظير: كيف نقرأ العرض المسرحي؟ هل نتخذ النص المكتوب مدخلا؟ هل نكتفي به كما هو وكما كتبه المؤلف؟ هل نلغيه لصالح العرض؟ هل نربط بينهما، وإلى أي حد يفيد ذلك؟”[22]
    وهكذا، يتبين لنا بأن بشير القمري ينطلق في دراسته للنص، والعرض، والفرجة، والتصفيق على حد سواء، من منهجية جمالية التلقي تحليلا وتقبلا وتأويلا.

    المنهــــج أو النقــد التنظيـــــري:

    يسعى المنهج أو النقد التنظيري إلى تقديم مجموعة من التصورات النظرية حول المسرح ممارسة وتطبيقا ورؤية ووظيفة وأداة، من خلال التركيز على التأليف المسرحي، وتبيان طرائق التشخيص، ورصد آليات السينوغرافيا، وعمليات الإخراج. ومن أهم الكتب التي تندرج ضمن المقاربة التنظيرية ما كتبه عبد الكريم برشيد، ككتابه:” الاحتفالية في أفق التسعينيات، الاحتفالية إلى أين؟”[23]، وكتاب:” المسرح الاحتفالي”[24]، وكتاب ” حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي[25]” ، وكتاب:”فلسفة التعييد الاحتفالي” [26]، حيث ينظر عبد الكريم برشيد لنظريته الاحتفالية وفلسفته العيدية ، وذلك إن نظرية، وإن إبداعا، وإن منهجا ، وإن نقدا.
    علاوة على ذلك، يمكن الإشارة إلى كتاب:” الكوميديا الصادمة” للحسن قناني[27]، حيث يقدم فيه صاحبه تنظيرا للكوميديا السوداء، كما تتجسد في مسرحياته الدرامية الكثيرة والمتنوعة ، مركزا في كتابه القيم على خصائصها الموضوعية والفنية والجمالية، راصدا أبعادها المرجعية والمقصدية والوظيفية.ويعني هذا أن لحسن قناني ينطلق في كتابه من فلسفة الضحك والفكاهة فلسفيا وأدبيا ودراميا ، معتبرا الكوميديا الصادمة أو الكوميديا السوداء كوميديا الإنسان المقهور والمتفرج المقهور.أي: ” كوميديا السخط والنقمة، والمواجهة والتصدي،كوميديا الوعي النقدي والتشكيك والخلخلة، والهدم والتدمير.[28]”
    كما تجمع هذه الكوميديا بين الجد والهزل، و المتعة والفائدة، والحزن والضحك. والآتي، أنها توظف مجموعة من الآليات التقنية والجمالية، كالسخرية، والتغريب، والفكاهة، والنقد الكاريكاتوري، والتعرية، والهجاء، والانزياح، والمفارقة، والتضاد، مع تشغيل المنهجية البريختية كما تتمثل في: تكسير الجدار الرابع، وتنوير المتفرج، وإضفاء طابع التباعد والتغريب، وتكسير الإيهام، والابتعاد عن التطهير، واستبداله بالتنوير والتوعية، واستخدام التراث الشعبي ، والاستعانة بالميتامسرح والكوميديا المرتجلة، ومحاربة المسرح الميت أو المسرح التكسبي. ويعني هذا – حسب بيتر بروك في كتابه:” المساحة الفارغة”- أن الكوميديا السوداء من المسرح الخشن الذي يثير المتلقي إدهاشا وإرباكا وحيرة.
    هذا، وينطلق لحسن قناني في تشكيل نظريته المسرحية المتميزة من مجموعة من المصادر المرجعية، مثل: مسرح المقهورين لأوكيستو بوال، وكارنفالية ميخائيل باختين، والمنهج التعليمي لبريخت، والكوميديا المرتجلة، والمسرح الفقير عند كروتوفسكي، وتصورات بيتر بروك حول المساحة الفارغة، وتشرب مبادئ الاحتفالية، والاستفادة من خطاب الفلسفة(سارتر- برغسون- عبد العزيز لحبابي..) من جهة، وخطاب الأدب(الجاحظ- أبو حيان التوحيدي…) من جهة أخرى…
    هذا، ومن أهم رواد الكوميديا الصادمة بالجهة الشرقية، نذكر: لحسن قناني، ومصطفى رمضاني، ومحمد مسكين…أما عن أهم الأعمال الإبداعية المسرحية الممثلة لذلك، فنستحضر: ” صهيل الذاكرة الجريحة” و”دونكيشوط بن قحطان”، و” الجار والمجرور”، و” رغيف سيزيف”، و” وقتاش تصحا ياجحا”، و” تقاسيم باسمة على وتر حزين”، و” ميكروكراسي”، و” كوكتيل بلدي”، و” جحا لن يبيع حماره” ، و” الأخلاق ما بقيت” ، و” ماكاين باس”، و” سيكبر حنظلة” لحسن القناني ، و” بني قردون ” لمصطفى رمضاني…

    المنهــــج الببليوغرافــــي:

    يستند المنهج الببليوغرافي إلى أرشفة الإنتاج المسرحي إبداعا ونقدا، مع تشغيل مفاهيم التأريخ، والتحقيب، والتوثيق، والأرشفة، والتصنيف، والتفسير. ومن ثم، يهدف هذا المنهج إلى تتبع الإنتاجات المسرحية بالجمع والتأريخ والتوثيق. ومن أهم الكتب التي تندرج ضمن المقاربة الببليوغرافية بالجهة الشرقية، نستدعي: كتاب أحمد طنكول:” الأدب المغربي الحديث”، بحيث يخصص المسرح المغربي إبداعا ونقدا بدراسة مستفيضة متميزة وشاملة[29]. ونذكر أيضا كتاب مصطفى رمضاني ومحمد يحيى قاسمي تحت عنوان:” ببليوغرافيا المسرح المغربي “، الذي تناول فيه الباحثان تطور المسرح المغربي إبداعا ونقدا من سنة 1933إلى غاية 2003م[30]. ونذكر كذلك ببليوغرافيات كل من محمد حمداوي في كتابه:” ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل”[31]، وجميل حمداوي في:”ببليوغرافيا أدب الأطفال بالمغرب”[32]، وقد خصصه بالفصل الثالث من الكتاب…

    المنهـــــج الدراماتــــــورجي:

    يستند المنهج الدراماتورجي إلى تحليل الفرجة المسرحية باعتبارها عرضا سينوغرافيا، وذلك بدراسة مكوناتها الإخراجية ، ورصد آليات التشخيص الدرامي، والتركيز على مكونات التأثيث، والإشارة إلى الموسيقا والإضاءة والصوت والتشكيل الفضائي، وعلاقة العرض بالجمهور رصدا وتقبلا وانفعالا وتشابكا، مع تبيان مدارس الإخراج المسرحي داخل العرض، وتحديد طريقة التشخيص، وتوضيح طبيعة التمثيل. ومن أهم الكتب النقدية التي تمثلت المقاربة الدراماتورجية في المنطقة الشرقية، نذكر كتاب:”في التحليل الدراماتورجي” للبشير القمري[33]، حيث يقارب الدارس فيه مسرحية:” رحلة العطش” لعبد الحق الزروالي، ويمكن الإشارة كذلك إلى كتاب دراماتورجي آخر في مسرح الأطفال لجميل حمداوي، وهو تحت عنوان:”مسرح الطفل بين التأليف والإخراج”[34] ، ويستعرض فيه الكاتب مجموعة من الوصفات الإخراجية لمجموعة من الأشكال المسرحية الطفلية…وهناك كتابان آخران للباحث نفسه يندرجان ضمن المنهج الدراماتورجي، مثل:” الإخراج المسرحي[35]” الذي يتتبع فيه الناقد تقنيات الإخراج المسرحي منذ أرسطو إلى يومنا هذا ، وذلك برصد مختلف مدارس الإخراج الحديث والمعاصر، و كتاب” مدخل إلى السينوغرافيا المسرحية[36]“، حيث يدرس فيه الباحث مجموعة من العروض المسرحية ، وذلك في ضوء مقاربة سينوغرافية ميزانسينية، تبرز أنواع التأثيث المسرحي، وتبين أنواع السينوغرافيا، وترصد مختلف أشكالها النمطية ، إن بنية، وإن دلالة ، وإن وظيفة

    المنهــــج البويطيقــــــي :

    يستند المنهج البويطيقي أو الشعري أو الإنشائي إلى دراسة المسرح في ضوء أدبيته المهيمنة، أو شعريته الدرامية، أو في ضوء آلياته الداخلية وعناصره البنيوية أو الإنشائية. بمعنى أن المنهج الشعري أو البويطيقي يعنى بدراسة نظرية الأدب، والبحث عن أدبية النص، وفحص نظرية الأجناس والأنواع والأنماط الأدبية باستكشاف مكوناتها البنيوية، ورصد سماتها التمييزية والاختلافية، كما نجد ذلك واضحا عند محمد قيسامي في كتابه:” حوار مع الكوميديا”، حيث ينظر للكوميديا موضوعا وبنية وشكلا ولغة، بعد أن ضاع كتاب الكوميديا لأرسطو، ولم يبق منه سوى شذرات متفرقة في مجموعة من الكتب، وبعض الإشارات إليه في كتاب:”فن الشعر”. ومن ثم، يستحضر الباحث النص الأرسطي الغائب، ويبني هذا النص المفقود بواسطة التوثيق من جهة، والتخييل من جهة أخرى. وقد اعتمد الباحث في ذلك على كتابة شذرية من ناحية، وكتابة مسرحية في شكل مقامة من ناحية أخرى . ويعني هذا أن الباحث قد توسل بلغة إبداعية فلسفية حوارية، تعتمد على الحلقات والمجالس الليلية مثل: ليالي ألف ليلة وليلة، مع تشغيل كتابة مسرحية درامية لكتابة نص أرسطو الكوميدي على غرار الكتابات الفلسفية لدى: سقراط، وأفلاطون، ونيتشه…

    مميزات النقد المسرحي بالمنطقة الشرقية:

    يتميز النقد المسرحي بالمنطقة الشرقية بمجموعة من الملاحظات والخصائص والمميزات التي يمكن حصرها في الاستنتاجات التالية:
    يلاحظ أن النقد المسرحي بالجهة الشرقية غير قادر على مواكبة جميع النصوص والعروض المسرحية التي تعرض بهذه المنطقة بصفة خاصة، وبالبلاد بصفة عامة؛ نظرا لقلة النقاد المسرحيين بالجهة ، والذين يعدون على الأصابع، فمنهم: مصطفى رمضاني، والبشير القمري، وعبد الكريم برشيد، ونجيب العوفي، وجميل حمداوي، ومحمد جلال أعراب، وجمال الدين الخضيري، وحياة خطابي،…
    يمكن الحديث عن جيلين من النقاد المسرحيين بالجهة الشرقية، جيل الأساتذة الرواد، كمصطفى رمضاني، وعبد الكريم برشيد، ونجيب العوفي، والبشير القمري…وجيل التلامذة، كجميل حمداوي، ومحمد جلال أعراب، ومحمد قيسامي، وجمال الدين الخضيري، وحياة خطابي…
    يلاحظ أن النقد المسرحي بالجهة الشرقية خاضعا للمناهج التقليدية في مقاربة النص الأدبي فهما وتفكيكا، إذ يغلب عليه المنهج التاريخي، والمنهج الإقليمي، والمنهج الفني، ومنهج الظواهر والقضايا، والمنهج الببليوغرافي…ومن ثم، يلاحظ غياب للمناهج المعاصرة ومناهج مابعد الحداثة ، كالتفكيكية، والسيميائيات البصرية والذاتية، والنقد الثقافي، والنقد النسوي، والنقد التاريخي الجديد، والنقد الإيكولوجي، والنقد الجنسي، والنقد التكويني، ونقد القراءة والتقبل…على الرغم من وجود مقالات ودراسات حداثية منشورة أو غير منشورة، ولكنها إلى حد الآن لم تنشر في شكل كتب ومؤلفات .
    يلاحظ على مستوى التراكم والإنتاج في مجال النقد المسرحي أن جميل حمداوي أكثر إنتاجا بالمنطقة الشرقية في مجال النقد المسرحي بتسعة كتب، يتبعه في ذلك مصطفى رمضاني بسبعة كتب، وعبد الكريم برشيد، وبشير القمري، ومحمد جلال أعراب، ومحمد قيسامي، ولحسن قناني، وحياة خطابي…
    تعد المنطقة الشرقية مهد النظريات المسرحية أو ما يسمى بالتنظير المسرحي، فهناك أربع نظريات رئيسة، وهي: النظرية الاحتفالية مع عبد الكريم برشيد، ونظرية النقد والشهادة مع محمد مسكين، ونظرية الكوميديا الصادمة مع لحسن قناني، والنظرية الإسلامية مع جميل حمداوي…
    يعد جميل حمداوي أول من صنف كتابا نقديا في المسرح الأمازيغي سنة 2009م، ليس في الجهة الشرقية فقط، بل في منطقة تامازغا بصفة عامة.
    إذا كان أغلب نقاد المنطقة الشرقية قد اهتموا بنقد المسرح العربي، فإن جميل حمداوي وجمال الدين الخضيري قد اهتما بالمسرح العربي والمسرح الأمازيغي كليهما.
    إذا كان مصطفى رمضاني مؤسس المسرح الجامعي بوجدة سنة 1992م، فإن جميل حمداوي وجمال الدين الخضيري من مؤسسي مختبر الوطني للمسرح الأمازيغي سنة 2012م.
    إذا كان أغلب نقاد الجهة الشرقية قد نشروا مؤلفاتهم بالمغرب، فإن هناك من نشر كتبه النقدية خارج الوطن، كمصطفى رمضاني الذي نشر كتابه:” قضايا المسرح الاحتفالي” بسورية، وجميل حمداوي الذي نشر كتابه:” الإخراج المسرحي” بالإمارات العربية المتحدة، ونشر كتابه:” السينوغرافيا المسرحية” بمصر، وعبد الكريم برشيد الذي نشر كتابه:” الاحتفالية: مواقف ومواقف مضادة” بليبيا…
    إذا كان حسن المنيعي هو المؤسس الفعلي للنقد المسرحي بالمغرب الأوسط، فإن مصطفى رمضاني هو المؤسس الحقيقي للمدرسة النقدية العربية بالجهة الشرقية. في حين، يعد جميل حمداوي هو المؤسس الحقيقي للمدرسة النقدية الأمازيغية بمنطقة الريف، بينما يعد عبد الكريم برشيد هو المؤسس الفعلي للنقد التنظيري في المغرب بصفة عامة.

    خلاصــــات واستنتاجــــات:

    تلكم-إذاً- نظرة مقتضبة حول مناهج النقد المسرحي بالمنطقة الشرقية من المغرب، وقد رأينا أن هذا النقد قد واكب جل ما تم تقديمه في هذه المنطقة من نصوص مؤلفة، وعروض ركحية، ونظريات درامية، وذلك بالقراءة والتحليل والتقويم والتوجيه. وقد استخدم في ذلك مجموعة من المناهج والمقاربات النقدية، كالمنهج التاريخي، ومنهج القضايا والظواهر، والمنهج الفني، والمنهج الببليوغرافي، والمنهج السوسيولوجي، والمنهج البويطيقي، والمنهج التنظيري، والمنهج الإقليمي…وما يزال الإنتاج النقدي في مجال المسرح بالمنطقة الشرقية قليلا بالمقارنة مع الإنتاجات الإبداعية والفكرية الأخرى، بل يمكن القول: إن عدد نقاد المسرح يعدون على الأصابع. كما أن هؤلاء النقاد لم يبتعدوا كثيرا عن المناهج النقدية التقليدية، كالمنهج التاريخي، والمنهج الموضوعاتي، والمنهج الفني، والمنهج الإقليمي، والمنهج الاجتماعي، ومنهج الظواهر والقضايا… ولم يجربوا بعد مناهج أخرى أكثر حداثة وتجديدا وراهنية في مصنفات وكتب، مثل: مناهج ما بعد الحداثة ( النقد الثقافي- التاريخانية الجديدة- النقد النسوي- النقد البيئي- النقد الجنسي- النقد التفكيكي- النقد التأويلي….)، أو مناهج العلامات السيميائية (سيميائيات الفعل- سيميائيات الأهواء- سيميائيات الكلام- سيميائيات المرئي …)، ومناهج السياق (التداوليات- نظرية أفعال الكلام- نظرية الاتساق والانسجام…)، أو الاستفادة من البلاغة المعاصرة عن طريق استثمار معطيات البلاغة العربية القديمة، وتمثل نظريات البلاغة الغربية الجديدة.
    20

    [1] – د.عباس الجراري: الأدب المغربي من خلال قضاياه وظواهره، الجزء الأول، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1978م، ص:9.
    [2] – د.مصطفى رمضاني: قضايا المسرح الاحتفالي، مطبعة اتحاد كتاب العرب، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 1993م.
    [3] – د.جميل حمداوي: المسرح الأمازيغي، منشورات الزمن، سلسلة شرفات، الرباط، الطبعة الأولى سنة 2009م.
    [4] – د.جميل حمداوي: مسرح الأطفال بالمغرب،مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م.
    [5] – د.مصطفى رمضاني: مسرح عبد الكريم برشيد: التصور والإنجاز، مطبعة تريفة، بركان، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2007م.
    [6] – د.محمد جلال أعراب: خطاب التأسيس في مسرح النقد والشهادة، مطبعة تريفة، بركان، الطبعة الأولى سنة 2009م.
    [7] – نجيب العوفي: جدل القراءة، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1980م.
    [8] – نجيب العوفي: جدل القراءة، ص:85-86.
    [9] – ابن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء ، تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة.
    [10] – انظر: د.شكري فيصل: مناهج الدراسة الأدبية، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الخامسة 1982م، صص:158-183.
    [11] – رضوان أحدادو: الحركة المسرحية بطنجة، منشورات المهرجان الوطني الثامن والعشرين لمسرح الهواة بطنجة ، الطبعة الأولى سنة 1991م.
    [12] – د.مصطفى رمضاني: الحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة، منشورات كلية الآداب، وجدة، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1996م.
    [13] – مصطفى عبد السلام المهماه: المجتمع الأصيلي والمسرح،مطبعة التومي، الرباط، الطبعة الأولى سنة 1975م.
    [14] -محمد حمداوي: ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل، منشورات حركة الطفولة الشعبية ، فرع الناظور، مطبعة لمقدم بالناظور، الطبعة الأولى سنة 2007م.
    [15] – د.حياة خطابي: التأليف المسرحي بشرق المغرب، مطبعة الجسور بوجدة، الطبعة الأولى سنة 2012م.
    [16] – د.حياة خطابي: التأليف المسرحي بشرق المغرب، مطبعة الجسور بوجدة، الطبعة الأولى سنة 2012م.
    [17] – د.حياة خطابي: نفسه، ص:34.
    [18] – انظر: مصطفى بغداد:المسرح المغربي قبل الاستقلال،منشورات الرهان الآخر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2000م، صص:219-251.
    [19] – عبد الكريم برشيد: الاحتفالية: مواقف ومواقف مضادة، تينمل للطباعة والنشر، مراكش، الطبعة الأولى سنة 1993م.
    [20] – عبد الكريم برشيد: الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة، إصدارات أمنية للإبداع والتواصل الفني والأدبي، الطبعة الأولى 2010م.
    [21] – البشير القمري: النص-العرض في المسرح، التنوخي للطبع والنشر، الرباط، الطبعة الأولى سنة 2011م.
    [22] – البشير القمري: النص-العرض في المسرح، ص:7-8.
    [23] – عبد الكريم برشيد: الاحتفالية في أفق التسعينيات، الاحتفالية إلى أين؟، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 1993م.
    [24] – عبد الكريم برشيد: المسرح الاحتفالي، الدار الجماهيرية، ليبيا، الطبعة الأولى سنة 1990م.
    [25] – عبد الكريم برشيد: حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1985م.
    [26] – عبد الكريم برشيد: فلسفة التعييد الاحتفالي، دار توبقال لنشر، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2012م.
    [27] – لحسن قناني: الكوميديا الصادمة، شركة مطابع الأنوار المغاربية، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2012م.
    [28] – لحسن قناني: نفسه، ص:106.
    [29] – د.عبد الرحمن طنكول: الأدب المغربي الحديث، منشورات الجامعة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1984م، صص:91-120.
    [30] – د.مصطفى رمضاني ويحيى قاسمي: ببليوغرافيا المسرح المغربي، مؤسسة النخلة للكتاب، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2003م.
    [31] -محمد حمداوي: ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل، منشورات حركة الطفولة الشعبية ، فرع الناظور، مطبعة لمقدم بالناظور، الطبعة الأولى سنة 2007م.
    [32] – د.جميل حمداوي: ببليوغرافيا أدب الأطفال بالمغرب، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م.
    [33] – بشير القمري: في التحليل الدراماتورجي، سلسلة شراع، طنجة، المغرب، العدد:32، سنة 1998م.
    [34] – د.جميل حمداوي: مسرح الطفل بين التأليف والإخراج، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م.
    [35] – د.جميل حمداوي: الإخراج المسرحي، الهيئة العربية للمسرح، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى سنة 2011م.
    [36] – د.جميل حمداوي: مدخل إلى السينوغرافيا المسرحية، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م.

    د.جميل حمداوي
    ت

السبت، 16 يونيو 2012

lسابقة يوسف إدريس للقصة القصيرة

مlسابقة يوسف إدريس للقصة القصيرة
شروط لجنة القصة لمسابقة
يوسف إدريس والقصة القصيرة في مصر والعالم العربي
كالتالي :
1 - يتقدم المتسابق للمسابقة بنفسه .
2 - ألا يتجاوز عمر المتسابق عن 40 عامًا .
3 - أن لا يكون قد مر على صدور الطبعة الأولى من المجموعة المقدمة ثلاث سنوات من تاريخ الإعلان .
4 - ألا يتقدم المتسابق بالمجموعة المقدمة لمسابقة أخرى حتى يتم إعلان النتيجة ويرفق إقرارًا منه بذلك .
5 - يقدم اقرارًا بعدم حصوله على أي جائزة في مسابقة أخرى عن نفس المجموعة .
6 - يقدم خمس نسخ من المجموعة إلى إدارة المسابقات بمقر المجلس الأعلى للثقافة .
7 - قيمة الجائزة 25000 جنية .
8 - أخر موعد للتقديم 30 سبتمبر 2012 .
9 - إعلان نتيجة المسابقة 31 ديسمبر 2012 .
10 - يرسل الإنتاج إلى إدارة المسابقات بالمجلس الأعلى للثقافة 1 شارع الجبلاية الأوبرا الجزيرة

السبت، 2 يونيو 2012

مفهوم المسرح الملحمى عند بريخت (2) اعاد صادق ابراهيم صادق


ن أهم الفروق الجوهرية بين مقومات المسرح الدرامى والمسرح الملحمى التى وضع لها بريخيت جدولا خاص بها، ليبيبن ويحدد سمات كل منها ، يمكن ايجازها فى عدة نقاطكما يلى:
1- يقوم المسرح الدرامى على تجميد الأحداث ، وبناء بعضها على بعض ، وتشتمل هذه الآحداث على بداية ووسط ونهاية ، فى حين أن المسرح الملحمى يقوم على القص وسرد الآحداث ، فهو لايهتم بأن تسير فى خط منتظم ، لانه لايسعى الى ذروة يتبعها تطهير .
الى جانب أن المسرح الملحمى يرد الآحداث الى الماضى لحتوليها الى أحداث نتهت ، تسردها علينا لمسرحية " فهو يلزم بالتاريخ اذ يذكر جمهوره دائما بأن مايقدم له ليس الا رواية لأحداث تمت فى الماضى " لكى يشعر المتفرج بأنه مايراه ليس هو حاضره ، تمت فى الماضى لكى يشعر المتفرج بان مايراه ليس هوه حاضره ، وبالتالى يبعده عن مجرى الواقع اليومى ، فيستطيع أن ينظر اليه كما لو كان شيئا غربيا ، فيفكر فيما يقدم له بهدوء وتعقل ليصل الى ما يهدف اليه من مسرحه ، وهو ايقاظ فكر وعقل المتفرج ، لاصدار الحكم على مايراه أذ أن بريخت " ينشد أن يثير مسرحة عند المشاهد عملية نقد الحدث الذى يقدم على المسرح .
2- المسرح الدرامى يصور الانسان كماهو : كائن ثابت غير قابل للتغيير ، متجمد فى أبعاد ثابتة لايستطيع أن يتخطاها ، بينما نجد الانسان فى المسرح الملحمى قابلا للتغير ، متحكما فى مصيره المتغير دائما " فالسرحية الملحمية ترفض مبدأ الحتمية فى سلوك الشخصيات ، وتطور المواقف ، وترى فى سلوك الانسان موفقا اجتماعيا ينطوى على كل مينطوى عليه الموقف الاجتماعى من عناصر قابلة للتعديل أو التغيير ، لهذا يستعيض المسرح الملحمى عن دراسة الطبيعة البشرية بدراسة العلاقات الانسانية فى صورة قضية من الماضى تورى أمام لمشاهدين " كما فى مسرحيات مثل " دائرة الطباشير القوقازية " و " الاستثناء والقاعدة " محاكمة لوكولوس " فهذه المسرحيات تقوم على دراسة العلاقات الانسانية فى المجتمعات الانسانية وتحت ظروف مختلفة عن طريق رواية الحادثة أمام الجمهور على أنها وقعت فى الزمن الماضى لاناس آخرين .
3- ان البطل يحتل المكانه الأولى فى المسرحية الدرامية بخيت تنشغل جميع الشخصيات المسرحية وتتحرك جميعا من أجل هذا البطل .
كما يتضح فىشخصيات " أوديب ، أنتيجون " ، و " هاملت ، بل انت نجد أن الحوادث كلها تدور حول شخصية عظيمة نطغى على كل الشخصيات الاخرى فى المسرحية ، على عكس هذا نجد أن البطل فى المسرح الملحمى ليس له مكانه بارزة بصفته الفردية ، وانما هو رمز المصير الجماعى " فالانسان فى مسرحه لم يعد هو نقطة الاتكاز كشخص مستقل بذاته ، بل انه يشغل هذا المكان من خلال تعامله مع الواقع الموضوعى " وان كانت هناك مسرحيات لبريخت تشتمل على أسماء بعينها " كجاليليو " مثلا ، او مثلا ، أو" السيد بونتلا " أو " لوكوس " الان أن مصير هذه الشخصيات ليس هوه الاساس الذى يقوم عليه العمل المسرحى ، وانما يطرح السؤال هذا البطل مشكلة اجتماعية تعنى المجتمع ككل ومن ثم يفقد البطل الفردى مكانته فى مسرح بريخت .

4- اذا انتقلنا الى طبيعة المتفرج فى كل من المسرحين ، نجد أن المسرح الدرامى يسعى الى أن يدمج المتفرجين فى الاحداث ، ويجعلهم يتفاعلون معها ، ليثير فى عواظفهم مشاعر الخوف والشفقة فيطهرهم بذلك من الانفعالات الدفنية ليصل بهم الى مارمى اليه اسطو ، وهوالتطهير kaoapoco catharasis الذى لم يكن يقتصر فى الحقيقة على الماساة فقط ، وانما يغطى بعض الموافق الكوميدية كالمفارقات ، والمطبت التى يقع فيها الشخوص .
أما المسرح الملحمى ، فيسعى الى عرض المشكلة على المتفرج دون أن يدمجه فيها بل يريد منه أن يحتفظ بشخصيته ووعية الكامل لما يدور أمامه ليتيح له فرصة التأمل والتفكير بشكل نقدى القضية المطروحة ذلك لأن بريخيت " يرى المتفرج فى مثل هذا الدرما التلقليدية يفقد القدرة على التفكير فيما يجرى أمامه ، ويسلنا القدرة على مواجهة المشاكل الساسية وحلها بشكل فعال يقضى على أصل المشكلة المطروحة ، بعد أن تكون عواطفه قد تطهرت ، لهذا نجده يلجأ الى تغريب الحدث عن طرق السرد لآحداث وقعت فى الماضى ، وذلك لان فى المسرح الملحمى " يجب أن يدرك المشاهدون انهم لايرون وقائع حقيقة تحدث امام أعينهم فى تلك اللحظة التى يرونها فيها ، بلى يجلسون فى قاعة مسرح يصغون أو يستمعون الى حكاية أمور حدثت فى الماضى فى مكان وزمان محددين ولابد من الجلوس فى حالة استرخاء لكى يفكروه فيما يمكن أن تعملهم أحداث الماضى من دروس " .
ولقد فرق بريخت فى كتاباته النظرية بين موقف المتفرج فى المسرح القديم وموقفه فى المسرح الجديد ، فيقول " عندما يتسأءل مشاهد المسرح الدراماتيكى معاناة البطل يقول " نعم لقد عانيت انا أيضا الشئ نفسه ، انثى على شاكلة البطل انه لشى طبيعى وسيكون كذلك دائما ، ان مصيبه هذا الانسان تهزنى ، لانه لايملك مخرجا ، انه فى عظيم كل كل شئ هنا يبدو بديهيا ، اننى أبكى مع الباكين واضحك مع الضاحين "

أما مشاهد المسرح الملحمى فيقول :
" لم يخطر هذا على بالى ، انه لتصرف خاطئ ، انه مدهش أقصى حد ، انه تقربيا مغاير للحقيقة ، يجب أن يوضع حد لكل هذا , ان مصيبة هذا البطل تهزنى ، لآنه يملك ، على أى حال ، مخرجا ، انه فن عظيم ، ليس فيه شئ بديهى . اننى أضحك على اولئك الذين يبكون ، وأبكى على أولئك الذين يضحكون .
5- لهذا سنجد أن طبيعة المتفرج فى المسرح الملحمى ستفرض كذلك طبيعة خاصة على المثل ، فكما أن على المتفرج الايندمج فى الاحداث بل براقبها ليصدر حكمه عليها ، كذلك نجد ان على الممثل ، هو الآخر ، أن يندمج فى دوره ، بلى يظل مدركا انه " يمثل " دورا ولايقدم "حقيقة " على عكس الممثل الدرامى الذى تبرز براعته فى التمثيل قدر تقصمه للشخصية التى يؤديها ، وبقدر تصوره أنه أمام واقع حقيقى .
ويؤكد بريخيت على هذا فى " الاورجانون الصغير للمسرح " حيث نجده يقول فى هذا الصدد:
" ينبغى للمثل مطلقا أن يصل فى أدائه الى التحول الكامل الى الشخصية التى يلعبها ، فالعبارة " المشهورة " لم يكن يمثل لير ، كان لير " يجب أن تكون بمثابة ضربة قاتله له ، كل ما عليه هو أن يرينا الشخصية وهذا لايتطلب أكثر من مجرد " ليس الدور " أو " الدخول تحت جلد الدور " ألا أن هذا لا يعنى أن يظل باردا ، اذا كان يلعب أدوارا تحتاج لعاطفة مشبوبة ، كل ماينبغى عليه ، وذلك حتى لاتصبح عواطف الجمهور فى الاعماق هى الاخرى عواطف الشخصية ، فلا بد ان يترك للجمهور الحرية المطلقى فى هذا المجال "
اى أن بريخيت يريد من الممثل ، المتفرج أن يحتفظ كل منها بشخصيته المستقلة ، لتتاح لهما فرصة التفكير النقدى .
على أننا يجب أن نلاحظ هنا ، أن منهج بريخت يطرح فى الواقع مرة أخرى نظرية " المسرح مسرحا " التى طرحها وتبنها الكثيرون من الرواد ، بالتناقض مع المسرح الواقعى قسطنطين ستانسلافسكى ، ابتداء من مايرهولد وكريج وابيا ، وانتهاء بلويجى بيراندللو ، ولكن بريخيت لايتوقف عند التناقض الفلسفى فى تعريف الظاهرة المسرحية ، بل يتجاوز ذلك الى طرح أهداف أيديولوجية واضحة ، يريد الجماهير أن تنهض لحتقيقها من خلال حوار ديالكتيكى محسوب .
واذا كان استانسلافسكى يقيم منهجه الواقعى ، الدرامى على لو الساحرة ، التى تتيح لفنان المسرح أن يتمثل الحقيقة كل الحقيقة ، فتضيق المسافات بين الممثل والشخصية ، حتى ليصبح المثل " لير " أو " عطيل " أو " مكيث " فان بريخت يقع على عامل ساحر اخر يححق فى العرض المسرحى النقيض ،ذلك هو عامل "التغريب".. وسنتعرض له في المقال التالى.












مفهوم المسرح الملحمى عند بريخت (1) اعاد صادق ابراهيم صادق


م المسرح الملحمى عند بريخت (1)
اعترض بريخيت على نظرية أرسطو فى المسرح .. تلك النظرية التى تقوم على محاكاة الواقع ، وايهام المشاهدين بأن مايشاهدونه ، هو هذا الواقع الفعلا ، وحاول ان يتخطى هذه المحاكاة ، وهذا لايهام الى مفهوم أخر المسرح ، وهو مناقشة الواقع مناقشة ديالكتيكية بقصد تنوير الجماهير بحقائق هذا الواقع ، فهو يرى ان المسرح رسالة اجتماعية وسياسية لابد أن يستفيد منها المشاهد ، وأن ينعكس هذا على تصرفاتهحيال القضايا الاجتماعية التى تواجهه ، لذا فهو لايزيد للمشاهد أن يتقبل الواقع كما هو ، بل يريد أن يناقشه عقلانيا ويفرق بين ماهو قاعدة وما هو استثناء ، لهذا فهو لايريد للمتفرج أن يندمج فى الاحداث ولا أن يعيش مع الشخصيات الفنية ، بل أن يكون على وعى بما يجب أن يكتشفه من الآحداث المعروضة .
هذا على العكس مايراه المسرح الارسطى الذى " يخلق عالما من الوهم عند المشاهد يصرفه عن التفكير فى القضايا السياسية والاجتماعية التى قد ينطوى عليها العرض المسرحى ، فيكيفى المشاهد بأن يعيش تلك الساعات الحالة بما فيها من انفعالات وتوتر وهدوء يصرفه عن النظر فى أمور الحياة ذاتها بعد خروجه من المسرح " حيث أن الدراما الآرسيطة ، تحرص على تقديم الأحداث على أنها من صنع هذا القدر ، وعلى العكس تماما أن المسرح اللاأرسطى يدرس ذلك القدر دراسة واعية مؤكدا أنه من صنع الانسان .
ولقد جاء المحاولات التى قام بها برخيت فى المسرح كرد فعل للتغيرات التى لحقت بالمجتمع الألمانى فى أعقاب الحرب العالمية الأولى .
وما أحدثته هذه الحرب من تغير فى الوعى السياسى والاجتماعى نتيجة لأنهيار كثير من القيم ، وللضغط الاقتصادى الذى مر به الشعب الألمانى بعد الحرب ، خاصة طبقة العمال التى انتشرت فيها البطالة ، كل هذا دفع بريخت للبحث عن شكل جديد للمسرح ، مراعيا فى ذلك أن " أى تجيد فى الشكل لايخدم غرضا ، ولايستمد مبرراته من مضمونه الاجتماعى يظل شكلا عقيما تماما لا ثمرة فيه "
ان بريخت برى أن الدراما الارسطية ، ( هى دراما برجوازية لايكتبهاولا يريدها الامن ينتمى الى هذه الطبقة ، وله ملحة فى بقائها وتحكمها ، فهى فى يد سلاح يقاوم الطبقة العاملة الصاعدة ، وهى حين تغرق الانسان فى الوهم ، انما تعوق تطوره العلمى التجريبى ، وتخدر فيه ارادة الصراع من أجل الحرية والغاء الطبقات الامر الذى أدى الى وجود دافع جديد فى ميدان الخلق المسرحى ، دافع بدأ يجعل المسرح أداة فى يد الطبقات المغونة ، وانتهى يجعله أداة للثورة الاجتماعية . أى أن بريخت حينما كان يفكر فى وضع اللمسات الآولى لنظرية المسرح الملحمى ، كان يراه ضرورة كبيرة كنقيض للمسرح البرجوازى .
ويعرف محمد مندور المسرح الملحمى ، بانه " يقوم على القصص الدرامى وسرد الأحداث ويجعل من المفرج مراقبا ، ولايدمجه فى الاحداث تلك الطاقة ، ودون أن يلهب تشوق المتفرج الى الخاتمة التى يتمركز فيها التأثير أى أنه ركز على موقف المشاهد من هذه الأحداث التى لايسعى المسرح الملحمى الى ادماجه فيها على مراقبته لها والتفكير معها بشكل عقلانى .
ويقترب من التعريف السابقى تعريف أخر للمسرح الملحمى ، بانه " مسرح سرد حكاية ، علىشكل لوحات مستقلة ، بعيدا عن الايهام ، تنبع شخصياته من وظيفة الفرد الاجتماعية على أساس أن الفرد ليس سوى نتاج البيئة والظروف الاجتماعية ، وتقوم العناصر المساعدة للعرض مثل الديكور ، والاضاءة والموسيقى ، على نوع من الاستقلاب ، دون ان تكون مكلمة للنص ، بخيث لاتسهم فى احداث أى تأثير درامى ، وذلك تحت شعار تبديد الوهم ، ولاشك أن المقصود بعدم أحداث هذه العناصر لأى تأثير درامى ، هو أن تنتج أثرا مضادا اللاتجاه الدرامى (الآرسطى) يحقق عامل التغيب او التبعيد .
ومن التعريفين السابقين نلاحظ ان، المسرح الملحمى يهتم بالنص وعناصر العرض أيضا ، لانها الوسيلة التى يعبر بها عما يحتويه النص من أفكار يريد لها أن تصل واضحة الى المشاهد ، فالمسرح الملحمى ليس مسرحا ذهنيا فحسب ، وليس مسرحا عاطفيا أو وجدانيا ، انما هو المسرح يجمع بين هذا وذلك ، فهو يطلب من المشاهد أن يفكر وأن يحكم على مايقدم له من قضايا تعرض أمامه ، الا أنه فى نفس الوقت وعندما تأتى اللحظة الانسانية لايمعنه من أن يتعاطف مع الشخصية ، لان المسرح الملحمى " لاينبذ الانفعالات بل يدرسها من خلال تعرضه لمجموعة من الآحداث الصغيرة التى تتجمع من أجل القاء الضوء على قضية معينة من زوايا مختلفة ، بأستخدام المشاهد الصغيرة والجوقة والروى المقدمة والنهاية ، وذلك حتى لاتقتصر المسرحية على تقديم قصة خاصة عن شخص أو أشخاص ، ولكن تعرض معلومات عن العلاقات البشرية بصورة عامة بالتالى ، تصبح القضية قضية عامة تمس قطاعا كبيراّ من اللمجتمع .
هذا الى جانب أن بريخت يتيح للشخصيات أو الجوقة أو الرواية حرية التفاعل مع الجمهور ، فهو يسأله : " هل يرضى عن هذه النهاية ، أو أنه يريد نهاية أخرى ، وهو حين يفعل ذلك ، فأنه يدرك مقدما أنه ليس فى امكانه هو كمؤلف ، ولا فى امكان الشخصيات أن تغير فى سير الآحداث المقدمه على خشبة المسرح ، ولكن كل ما يقصده الممثلون أو الكورس أو الراوى هو ايضاح الأمر للجمهول لكى يدرك أنه اذا كان فى الامكان أن تغير الممثلون فى نهاية المسرحية ، فلماذا لا نستطيع نحن المشاهدين أن نغير فى أحداث حياتنا .
فلقد كان هدف بريخت الأول " أن يجعل المتفرج يرى العالم الحقيقى ويفهمه ، أن يجعله يفهم كيف تدور الحياة فى المجتمع الرأسمالى المعاصر بحيث يسعى الى تغيره ، كانت هذه هى الرسالة التى كرس لها مسرحه الملحمى " .
كما ان أعماله كانت تهدف الى " اثارة الدهشة والسخط لدى القارئ والمتفرج ودفعهما الى تغير الواقع الاجتماعى المحيط بهما بالثورة والعنف اذا اقتضى الأمر "
فقلد كانت مسرحيات بريخت تعكس قضايا الانسان وصراعه المرير مع القهر والاستغلال ، ولهذا نجده قد قام بتعرية أساليب الاستغلال والاضنطهاد على مختلف المستويات ، وهو يعالج موضوعاته بصراحة تامة ، وبأسلوب مباشر يصل فى احيان كثيرة الى مستوى التعليم والتبشير ، لأنه يريد مشاهد أن يتعرف على ما فى العالم من متناقضات ، ومن ثم يدفعه هذا الى الفهم ، اى فهم المشكلة وادراك أبعادها ، فيعطيه فرصة لمحاولة التغيير ، ويظهر هدفه هذا بوضوح فى مسرحية " الاستثناء والقاعدة ، حيث لخص بريخت على لسانه مجموعة المثملين فكرته عن المسرح الذى يجب أن يكون هدفه تغيير الواقع الذى اعتدنا عليه ، وتصحيح الأخطاء التى أصبحت قاعدة على الرغم من أنها لابد أن تكون هى الاستثناء وليست القاعدة .


5

التغريب عند بيرتولد بريخت (التغريب نصاً) اعداد صادق ابراهيم صادق


عرف بريخت التغريب بقولة ، ان تغريب حادثة او شخصية يعنى ببساطة تخليص تلك الحادثة او الشخصية مما فيهما ظاهر ،معروف او بديهى ،او ايقاظ الدهشة او الفضول بدلا منهما .
وهناك تفسير يقول :"ان مفهوم التغريب عند بريخت يتمثل ببساطة فى هذه العبارة القصيرة "جعل المألوف غريبا " واذا ما عرضت مالوفات هذا العام فى صورة غريبة ، فلا بد أن تثير فى رائيها رغبة فى تغييرها " .
ويعرق فرديك أوين التعريب بأنه " العملية التى تقوم على وضع الشئ الذى يفصحه المرء بعيدا عنه والنظر اليه بأعين جديدة ، وبرصفه الذى يرى أن عنصر التعريب ماهو الا " تقنية تتناول مع الاحداث الاجتماعية الانسانية المطلوب تصويرها على اعتبارها شيئا يدعو للتفسير والايضاح ، لامجرد أمر طبيعى مألوف ، والغرض من هذا التأثير هو السماح للمتفرج أن يلجأ الى النقد بشكل بناء من وجهة نظر اجتماعية "

على ذلك نستطيع أن نتبين ، ان عنصر التغريب قصد به طرح المشاكل الاجتماعية التى يعانى منها المجتمع فى صورة مغربة ، ينتج عنها ايقاع صدمة بالمشاهد ، تجاه مايقدم له من أحداث تبدو غربية وبعيدة عنه وعن واقعه اليومى ، فيدعوه هذا الى التفكير فيها ، ونقدها بشكل موضوعى بعيد عن العاطفة .
وهذا ماينشده بريخت من وراء استخدام عنصر التغريب ، حيث يسعى " الى اتاحة فرصة للمشاهد فى أن يمارس نقدا للظواهر الاجتماعية بشكل بناء وايجابى " .
اى أنه لا يتحقق تأثير التغريب الابتطبيق منهج تتكامل فيه عناصر المسرح جميعها من نص ، أداء تمثيل ، اضاءة ، أقنعة ، ديكون ، موسيقى ، أى أدوات وعناصر الاخراج المسرحى ، وبهذا يكون التغريب على المستوى النص والعرض .
وسنحاول فيما يلى التعرف على طبيعة عناصر التغريب على مستوى النص والعرض .
التغريب فى النص :
يستعين بريخت ، لكى يحقق التغريب على مستوى النص المسرحى ببعض الوسائل الاساسية ، التى يمكن تحديدها فى عدة نقاط :
اولا : الاستعانة بالتراث لاستلهام مادة المسرحية ، فاستخدام البعد التاريخي فى تصوير الآحداث يجعل المشاهد – منذ البداية – منفصلا عنها ، فتتاح له فرصة الفرجة بهدوء وبشكل يسمح له أن يقوم بعملية نقدية تجاه ما كان يتم فى الماضى ، ففى مسرحية " دائرة الطباشير القرقازية " على سبيل المثال ، يرجع الحدث الى زمن ماض بعيد ، ويتضح هذا منذ البداية فى مقدمة المسرحية على لسان المغنى ، الذى يقوم بدور الراوى ، اذ يقول
المغنى : فى العصور الخالية
فى العصور الدامية
كان فى هذه المدينة – اللعينة
وفى مسرحية " السيد بوننلا وتابعه ماتى " يدور الحدث فى فنلنده فى عصر ماقبل التاريخ ، ونعلم بهذا أيضا فى استهلاك المسرحية على لسان أحدى الممثلات .
الممثلة :
فى هذا المساء سنقدم اليكم نوعا من الحيوان الذى ينتسب الى عصر ماقبل التاريخ يسمى مالك العياع ، وهو حيوان عرف بشراهة الافتراس وبأنه لا فائدة فيه أبدا .
نلاحظ ان لغة الافعال تعود الى الماضى ، وبالتالى تأخذ المشاهد منذ اللحظة الأولى فى المسرحية الى زمن بعيد ، ولكن يجب أن لانسى أنه نوع من الاغتراب من أجل الاقتراب ، وأن هذا ماينشده بريخت فى مسرحه .
ولاشك أن لجوء بريخت فى معظم نصوصه الى الزمن البعيد ، بالرغم من أن أحداثها مستلهمة من الواقع الاجتماعى ، يختلف اختلافا كبيرا عن البنى التقليدية للمسرحية التاريخية أو مسرحية التراث ، سواء فى ذلك المسرح القديم أو المعاصر ( انتجيون سوفوكل ، وانتيجون انوى على سبيل المثال ) ان بريخت يقدم الحدث الواقعى على أنه تاريخى أو تراثى ، وبذلك يحقق عامل التبعيد ، او التغريب .
ثانيا : تشتغل الاحداث مساحة زمنية كبيرة ، لآن اتساع رقعة الآحداث يساعد على تكوين خلفية اجتماعية مترامية الأبعاد ، فتعطى صورة كلية وشاملة للقضية المطروحة ، اذ أن الوسط الاجتماعى هو البطل الحقيقى والمحرك للصراع فى المسرح الملحمى .. فمسرحية " حياة جاليليو "
تحكى فترة حياة العالم جاليليو من 1609- 1642 واكتشاه الكبير وكذلك الظروف الديالكتيكية التى مربها هذا الاكتشاف ، كذلك مسرحية " الام شجاعة " تقع أحداثها سنه 1624 وتستمر حتى 1636 ، أى اننا سنسير معها فى رحلة الحياة التى مرت بها ، وننتقل معها بين السويد وبولندا والمانيا ، ونتعرف على الخلفة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذه الفترة ، والتى أدت بها للوصول لهذه النتيجة .


ثالثا : من الوسائل الاخرى التى يلجأ اليها بريخت فى احداث التغريب فى مسرحياته على مستوى النص البناء الفنى اللأحداث ، الذى لاينتهج النهج التلقيدى للمسرحية الأرسيطة من بداية وذروة ونهاية ، اى عقدة يتبعها حل ، وعلاقة سبية بين المشاهد ، وانما نجد بناء يقوم على مشاهد منفصلة فى شكل لوحات تعكس كل واحدة منها فكرة ، وتصب فى النهاية البناء الشامل للمسرحية " الأم شجاعة " مثلا ، تقع فى 12 لوحة،
ومسرحية " السيد بونتلا وتابعه ماتى " تقع أحدثها أيضا فى 12 لوحة بالأضافة الى استهلال وأغنية ختامية ، و " الاستثناء والقاعدة " تتكون ثمانى لوحات ، وهكذا .
حيث نجد أن المسرحية ، تخلو من الاحداث ذات الحبكة المتصلة المتصاعدة ، التى تربط أول المسرحية بأخرها ، وتتكون من لوحات متجاورة .
رابعا : قطع سير الأحداث لمنع الاندماج فيها ، ويساعد فى الوصول لهذا الهدف أكثر من عنصر :
1- وجود الراوى الذى يخبر الجمهور بخلفية الأحداث ، ويعطيه فكرة عنها منذ البداية ، لكى يحميه من الترقب والقلق الذى يسيطر على مشاهد المسرح الدرامى ، بالاضافة الى تدخله من وقت لآخر أثناء الحدث ، ليعلن أو ينقد " لأنه يجب الاتتعاقب الأحداث وراء بعضها بصورة غير ملحوظة ، كما أنه من الضرورى أن يثار النقاش ، فى الفواصل بين الحوادث ويظهر هذا بوضوح فى مسرحية " دائرة الطباشير القوقازية " حيث يقوم المغنى بدور الراوى ، فهو يبدأ الآحداث باعطائنا فكرة عن طبيعة الشخصية التى سنراها بعد لحظات على المسرح يقوم بالقاء الضوء على مايريد بريخت أن يوصله الى الجمهور فيختتم المسرحية يقوم بقوله :

وأنتم يامن سمعتم قصة دائرة الطباشير
احفظوا حكمة الاقدمين ،
ان الأشياء ينبغى أن تعطى للذين بقومون عليها خير قيام :
فالأولاد اللأمهات اللواتى يرعينهم خير رعاية حتى يشبوا ويترعرعوا ،
والعربت للسائقين الفائقين حتى يكون السير جيدا ،
والوادى للذين يحسئون سقيه حتى ينتج خير الثمار
ومن الممكن أن يقوم بدور الراوى شخصية من شخصيات المسرحية ، فيقوم بتقديم بعض المعلومات ، أو يعلق على الاحداث ، مثال على ذلك شخصية " بيتشم" فى مسرحية " محاكمة لوكولوس " الذى نجده يصف لنا الآحداث ، ويتتبعها حتى يصل القائد لوكولوس الى المقبرة ، التى أعدت ليدفن فيها ، ثم يختفى المنادى ، ويقوم بدور الراوى من بعده صوت حارس بابا مملكة الظلال لنتابع معه حالة القائد الكبير فى مملكة الموتى .
ويقتصر دور الراوى فى بعض الأحيان على ظهوره فى مقدمة المسرحية ، ليزود الجمهور بخلفة مخنصرة عن المسرحية ، كما فى مسرحية " السيد بونتلا وتابعه ماتى"حيث تقوم راعية البقر باستهلال ، تخبرنا من خلاله عن شخصية " بونتلا" هذا الحيوان المنقرض ، فهى تعرفنا بما سوف نشاهده ، وتلقى الضوء على الشخصية الرئيسية فى المسرحية ، فوجوده هذا يساعد على كسر الايهام عن طريق قطع سير الحدث سواء بالتمهيد أو بالتعليق والنقد .
ففى مسرحية (( محاكمة لوكولوس )) أستخدم بريخت الكورس الذى تمثل فى مجموعة الجنود والعبيد ، وقاموا بدور فعال فى المسرحية ، حيث أنهم شاركوا فى أحداثها . ففى نهاية المسرحية ، وبعد أن تتفق كل مجموعة على حدة أنه لابد من أن يلقى (( لوكولوس )) فى الجحيم لقاء ما أنزله بالبشرية من دماء وخراب نتيجة الحروب الكثيرة التى خاضها والتى أضاع فيها ناسا كثرين ، وحرم الكثيرين الاستمتاع بحياتهم لا لشئ الا لتحقيق أمجاد شخصية ، لاعلاقة لها بمصالح المجتمع ، ونجدهم يؤكدون هذا فى النهاية .
الجميع : أجل ... أه ...
فليذهب الى العدم ..
وليلق فى الجحيم ..
كل من يشيبه ...
وفى مسرحية " الاستثناء والقاعدة ، تبدأ المسرحية وتنتهى بمجموعة النهاية ، فهو لايعلق على الاحداث تعليقا محايدا فقط كما يحدث فى المسرح التلقيدى ( الدرامى) بل أنه يعبر عن فكرة ويتهم ويحكم ، ومن وجهة نظر طبقى العاملين التى يمثلونها .
وفى مسرحية (( الاستثناء والقاعدة )) تبدأ المسرحية وتنتهى ، بمجموعة الجوقة وهى تقدم المسرحية وتخاطب المشاهدين لتحكى لهم الحكاية ، وتنتهى المسرحية طارحة درسها على المشاهد ، والجوقة هى نفسها ممثلو الشخصيات ، وهذا فى حد ذاته عنصر من عناصر التغريب .
ففى بداية المسرحية نجد الممثلين ، يطرحون ماتحمله المسرحية من افكار ومعان ، وينهبون المشاهدين بأن يأخذوا موقف الناقد منذ البداية ، لا أن يصيحوا متفرجين فقط ، بل عليهم أن يفتحوا عيونهم وأذهانهم جيدا ، وينتهبوا الى الآحداث التى ربما بدت طبيعية ، وأعتادوا عليها بل عليهم أن لايقلبوها كما هى عليه .
- الممثلون _
.......
نحن نناشدكم على الدوام ألانقولوا
" هذا أمر طبيعى "
ازاء مايتعرضكم من الاحداث كل يوم .
أى أنهم منذ البداية ، يحثون المتفرحين على تغيير واقعهم ، وأن يستخلصوا الحكمة من وراء ماسوف يشاهدونه من وقائع ، ربما تبدو طبيعة للوهلة الآولى لانهم اتعادوا عليها ، ولكنهم اذا وفقوا من البداية ، موقف الفاحش الناقد سيكتشفون أنها الاستثناء ، وليست القاعدة التى يجب ان تسير الأمور عليها .
ويؤكدون على هذا فى النشيد الختامى للمسرحية ، حيث أنه يجب أن ننظر اللأشياء على انها واقع غير مألوف لكى نتمكن من تغييره .
الممثلون : ( ينشدون )
هكذا تنتهى .. حكاية رحلة
على نحو مارأيتم حادثا مألوفا
مما يقع كل يوم
ومع هذا فنحن نناشدكم
أن تكتشفوا الآمرالغريب وراء المألوف
وليكن ، فى كل شئ معتاد مايشعركم بالقلق
وتتتتبينوا الشذوذ الذى يستتر خلف القاعدة
وحيثما بدا الداء لكم
فأوجدوا له الدواء
ان الكورس ( الشخصيات التى عاشت الآحداث فى نفس الوقت ) ينسج بهذا الأسلوب مناخا خصيا ممتعا للحدل بين الصالة والعرض .
2- ويقودنا هذا الحديث الى العنصر الثالث الذى يستخدمع بريخت قى مسرحياته ليقطع به سير الأحداث ، وهو الآغانى ، ومما سبف تبين لنا من خلال مسرحية " الاستثناء والقاعدة " الدور الهام الذى تقوم به الآغنية فى المسرح الملحمى ، فهى الى جانب وظائفها الكثيرة من تلخيص اللأحداث ، أو التعليق عليها ، أو التمهيد للأحداث اللاحقة ، نجدها فى أحيان أخرى ، تفق فى خط مضاد لما يدور على خشبة المسرح من احداث فتقوم فى المساهمة فى تبعيد المشاهد عن الحدث بغرض الاقتراب بصورة ايجابية ، وتساعده فى توضيح الأشياء التى ربما قد تغيب عنه فى أثناء متابعته للحدث .
ونجد أن اللأغانى نصيبا كبيرا فى أعمال بريخت المسرحية ، ففى مسرحية " أوبرا القروش الثلاث " تلعب الأعنية دورا هاما ، واستخدمها بريخت بشكل واضح على طول المسرحية حيث تبدأ المسرحية بافتتاحية عبارة عن اغنية ، نتعرف من خلالها على الكثير من شخصية " مكهيث قاطع الطريق ، ولا يخلو مشهد ، تقربيا ، الا ونجد به أغنية ، وتنتهى المسرحية باغنية تلخص العبرة من وراء تقديم هذه الحكاية .
الجميع : ( ينشدون بمصاحبة الآورغن ، وهم يتجهون الى مقدمة المسرح :
لاتفرطوا فى عقاب الخاطئين
بعد قليل تبرد الجريمة لانها مقضى عليها
وتذكروا الظلمة والبروة الكبرى
فى هذا الوادى يرن فى أرجائه الشتاء
وتأخذ الأغانى مساحة كبيرة ايضا فى مسرحية " السيد بونتلا وتابعه ماتى " هذا بالأضافة الى أن بريخت ينهى المسرحية بأغنية لبونتلا يلخص بها كل أحداث المسرحية ، وهذا يلقى ايضا ضوء كبيرا ، علىوظيفة الأغنية فى المسرحية الملحمية .
كما نجد اللأغنية أهمية تغربية جدلية فى معظم مسرحيات بريخت الآخرى مثل " الام شجاعة " ، " محاكمة لوكولوس " ، " الانسان الطيب من ستشوان " ، الى جانب دورها البارز فى مسرحية " دائرة الطباشير القوقازية "
خامسا : ويتم تحقيق عنصر أخر من عناصر التغريب ، بواسطة الشخصيات المسرحية ، عن طريق توجيه حديثها للمشاهدين ، لحرصها الشديد على تأكيد عدم الاندماج ، سواء من جانبها أو من جانب المشاهد بل نجدها تفق لمخاطبة الجمهور مباشرة .
ويظهر هذا في مسرحية " آوبرا القروش الثلاث" فنجد أن " بيتشم" وهو احدي الشخصيات الرئيسية في مسرحية ، يقف في بداية المسرحية ويشرح مشكلته للجمهور ، ويخبرهم برغبته تغيير مهنته.
بيتشيم : ( يخاطب الجمهور ) لابد أن يتغير هذا .. صارت مهنتي مستحيلة ، وهي تعمل علي اثار الشفقة في نفوس الناس...(35).
وقبل نهاية الأحداث ، يقف " بيتشم" مرة أخري ويخاطب الجمهور ، ليخبره بأنهم سوف يغيرون من الخاتمة ، التي كان يجب أن تقع علي ماكهيث وهي أن يشنق ولكنه لن يشنق، وهذا تأكيد لدعوة بريخت الي التغيير في الأحكام والموافق بناء علي الظروف المحيطة في المجتمع.
وأهم ما يميز المسرح الملحمي من خلال شخصياته، هو الازدواجية في الشخصية الواحدة ، كما ظهر في مسرحية " السيد بونتلا" فهو دائماً بين حالتي السكر والصحو، وفي كل حالة تكون له شخصية مختلفة تماما، بل علي النقيض من الشخصية الأخري، ويقوم هو نفسه بالتعليق علي تصرفاته ونقدها، فهو في حالة الصحو يكون في صورة الاقطاعي الشديد الحرص علي ما يملكه وعلي ثروته ، ويستغل العمال أقصي استعلال لقاء أقل أجر ممكن، ويكون غليظ القلب وقاسيا في معاملته لهم.
أما في حالة السكر فهو انسان كريم، يحس بالآخرين ، وخاصة العمل،ويجزل أجورهم ، ويحرص علي قضاء وقته معهم ومشاركتهم المشاكل والمشرب والمسرات، وان الديمقراطية ، والميل الي العدل الاجتماعي، هما وليدا لحظة سكر صاحب رأس المال ، فاذا ما أفاق فإنه يعود إلي قانونه، قانون راس المال الدموى ، ونفس الازدواج تدركه فى اطار جدلى واضح ومنطقى ، فى شخصية " شى تى"
وقناع ابن عمها " شوى تا " الذى تضطر البيقة الباقية من رأس المال الذى وهبته لها الآلهة .

سادسا : يتبقى عنصر أخير ، يلعب دورا هاما فى تغريب النص الملحمة ، هو اللغة ، عن طريق التناقص بين اللغة والشخصية التى تنطق بها ، بالااضافة الى أن الحوار الملحمى يتسم بالجدل كما رأينا ، اذ يستعين بريخت بالنقاش والتصادم بين الشخصيات وبعضها ا( أى بين الافكار)
كما فى مسرحة " جاليليو" و " الام شجاعة " وغيرها ، لكى يجعل المتفرج يشترك فى هذه الجدلية ، فيظل واعيا ذهنيا بما يدور امامه .
كما أن الحوار الملحمى يتسم بالهدوء والموضوعية ، بعيدا عن الانفعال من اجل الحفاظ على عملية عدم الاندماج ، فمثلا فى مسرحية " دائرة الطباشير الوقازية " نجد انه ، فى المواقف التى تحمتل أن تكون فيها الانفعالات قوية مثل لقاء " سيمون بجروشا " بعد غيبة طويلة ، بجد أن الشخصيات تصمت ، ويعبر عنها المغنى الذى يكشف عن دخلية نفسها حتى لاتتوتر الشخصية وتندمج وبالتالى ينعكس هذا على المتفرج "
هذه العناصر جميعا تجتمع من اجل ، احداث تاثير الاغراب فى النص الملحمى .



تعليقات الفيسبوك