السبت، 2 يونيو 2012

مفهوم المسرح الملحمى عند بريخت (1) اعاد صادق ابراهيم صادق


م المسرح الملحمى عند بريخت (1)
اعترض بريخيت على نظرية أرسطو فى المسرح .. تلك النظرية التى تقوم على محاكاة الواقع ، وايهام المشاهدين بأن مايشاهدونه ، هو هذا الواقع الفعلا ، وحاول ان يتخطى هذه المحاكاة ، وهذا لايهام الى مفهوم أخر المسرح ، وهو مناقشة الواقع مناقشة ديالكتيكية بقصد تنوير الجماهير بحقائق هذا الواقع ، فهو يرى ان المسرح رسالة اجتماعية وسياسية لابد أن يستفيد منها المشاهد ، وأن ينعكس هذا على تصرفاتهحيال القضايا الاجتماعية التى تواجهه ، لذا فهو لايزيد للمشاهد أن يتقبل الواقع كما هو ، بل يريد أن يناقشه عقلانيا ويفرق بين ماهو قاعدة وما هو استثناء ، لهذا فهو لايريد للمتفرج أن يندمج فى الاحداث ولا أن يعيش مع الشخصيات الفنية ، بل أن يكون على وعى بما يجب أن يكتشفه من الآحداث المعروضة .
هذا على العكس مايراه المسرح الارسطى الذى " يخلق عالما من الوهم عند المشاهد يصرفه عن التفكير فى القضايا السياسية والاجتماعية التى قد ينطوى عليها العرض المسرحى ، فيكيفى المشاهد بأن يعيش تلك الساعات الحالة بما فيها من انفعالات وتوتر وهدوء يصرفه عن النظر فى أمور الحياة ذاتها بعد خروجه من المسرح " حيث أن الدراما الآرسيطة ، تحرص على تقديم الأحداث على أنها من صنع هذا القدر ، وعلى العكس تماما أن المسرح اللاأرسطى يدرس ذلك القدر دراسة واعية مؤكدا أنه من صنع الانسان .
ولقد جاء المحاولات التى قام بها برخيت فى المسرح كرد فعل للتغيرات التى لحقت بالمجتمع الألمانى فى أعقاب الحرب العالمية الأولى .
وما أحدثته هذه الحرب من تغير فى الوعى السياسى والاجتماعى نتيجة لأنهيار كثير من القيم ، وللضغط الاقتصادى الذى مر به الشعب الألمانى بعد الحرب ، خاصة طبقة العمال التى انتشرت فيها البطالة ، كل هذا دفع بريخت للبحث عن شكل جديد للمسرح ، مراعيا فى ذلك أن " أى تجيد فى الشكل لايخدم غرضا ، ولايستمد مبرراته من مضمونه الاجتماعى يظل شكلا عقيما تماما لا ثمرة فيه "
ان بريخت برى أن الدراما الارسطية ، ( هى دراما برجوازية لايكتبهاولا يريدها الامن ينتمى الى هذه الطبقة ، وله ملحة فى بقائها وتحكمها ، فهى فى يد سلاح يقاوم الطبقة العاملة الصاعدة ، وهى حين تغرق الانسان فى الوهم ، انما تعوق تطوره العلمى التجريبى ، وتخدر فيه ارادة الصراع من أجل الحرية والغاء الطبقات الامر الذى أدى الى وجود دافع جديد فى ميدان الخلق المسرحى ، دافع بدأ يجعل المسرح أداة فى يد الطبقات المغونة ، وانتهى يجعله أداة للثورة الاجتماعية . أى أن بريخت حينما كان يفكر فى وضع اللمسات الآولى لنظرية المسرح الملحمى ، كان يراه ضرورة كبيرة كنقيض للمسرح البرجوازى .
ويعرف محمد مندور المسرح الملحمى ، بانه " يقوم على القصص الدرامى وسرد الأحداث ويجعل من المفرج مراقبا ، ولايدمجه فى الاحداث تلك الطاقة ، ودون أن يلهب تشوق المتفرج الى الخاتمة التى يتمركز فيها التأثير أى أنه ركز على موقف المشاهد من هذه الأحداث التى لايسعى المسرح الملحمى الى ادماجه فيها على مراقبته لها والتفكير معها بشكل عقلانى .
ويقترب من التعريف السابقى تعريف أخر للمسرح الملحمى ، بانه " مسرح سرد حكاية ، علىشكل لوحات مستقلة ، بعيدا عن الايهام ، تنبع شخصياته من وظيفة الفرد الاجتماعية على أساس أن الفرد ليس سوى نتاج البيئة والظروف الاجتماعية ، وتقوم العناصر المساعدة للعرض مثل الديكور ، والاضاءة والموسيقى ، على نوع من الاستقلاب ، دون ان تكون مكلمة للنص ، بخيث لاتسهم فى احداث أى تأثير درامى ، وذلك تحت شعار تبديد الوهم ، ولاشك أن المقصود بعدم أحداث هذه العناصر لأى تأثير درامى ، هو أن تنتج أثرا مضادا اللاتجاه الدرامى (الآرسطى) يحقق عامل التغيب او التبعيد .
ومن التعريفين السابقين نلاحظ ان، المسرح الملحمى يهتم بالنص وعناصر العرض أيضا ، لانها الوسيلة التى يعبر بها عما يحتويه النص من أفكار يريد لها أن تصل واضحة الى المشاهد ، فالمسرح الملحمى ليس مسرحا ذهنيا فحسب ، وليس مسرحا عاطفيا أو وجدانيا ، انما هو المسرح يجمع بين هذا وذلك ، فهو يطلب من المشاهد أن يفكر وأن يحكم على مايقدم له من قضايا تعرض أمامه ، الا أنه فى نفس الوقت وعندما تأتى اللحظة الانسانية لايمعنه من أن يتعاطف مع الشخصية ، لان المسرح الملحمى " لاينبذ الانفعالات بل يدرسها من خلال تعرضه لمجموعة من الآحداث الصغيرة التى تتجمع من أجل القاء الضوء على قضية معينة من زوايا مختلفة ، بأستخدام المشاهد الصغيرة والجوقة والروى المقدمة والنهاية ، وذلك حتى لاتقتصر المسرحية على تقديم قصة خاصة عن شخص أو أشخاص ، ولكن تعرض معلومات عن العلاقات البشرية بصورة عامة بالتالى ، تصبح القضية قضية عامة تمس قطاعا كبيراّ من اللمجتمع .
هذا الى جانب أن بريخت يتيح للشخصيات أو الجوقة أو الرواية حرية التفاعل مع الجمهور ، فهو يسأله : " هل يرضى عن هذه النهاية ، أو أنه يريد نهاية أخرى ، وهو حين يفعل ذلك ، فأنه يدرك مقدما أنه ليس فى امكانه هو كمؤلف ، ولا فى امكان الشخصيات أن تغير فى سير الآحداث المقدمه على خشبة المسرح ، ولكن كل ما يقصده الممثلون أو الكورس أو الراوى هو ايضاح الأمر للجمهول لكى يدرك أنه اذا كان فى الامكان أن تغير الممثلون فى نهاية المسرحية ، فلماذا لا نستطيع نحن المشاهدين أن نغير فى أحداث حياتنا .
فلقد كان هدف بريخت الأول " أن يجعل المتفرج يرى العالم الحقيقى ويفهمه ، أن يجعله يفهم كيف تدور الحياة فى المجتمع الرأسمالى المعاصر بحيث يسعى الى تغيره ، كانت هذه هى الرسالة التى كرس لها مسرحه الملحمى " .
كما ان أعماله كانت تهدف الى " اثارة الدهشة والسخط لدى القارئ والمتفرج ودفعهما الى تغير الواقع الاجتماعى المحيط بهما بالثورة والعنف اذا اقتضى الأمر "
فقلد كانت مسرحيات بريخت تعكس قضايا الانسان وصراعه المرير مع القهر والاستغلال ، ولهذا نجده قد قام بتعرية أساليب الاستغلال والاضنطهاد على مختلف المستويات ، وهو يعالج موضوعاته بصراحة تامة ، وبأسلوب مباشر يصل فى احيان كثيرة الى مستوى التعليم والتبشير ، لأنه يريد مشاهد أن يتعرف على ما فى العالم من متناقضات ، ومن ثم يدفعه هذا الى الفهم ، اى فهم المشكلة وادراك أبعادها ، فيعطيه فرصة لمحاولة التغيير ، ويظهر هدفه هذا بوضوح فى مسرحية " الاستثناء والقاعدة ، حيث لخص بريخت على لسانه مجموعة المثملين فكرته عن المسرح الذى يجب أن يكون هدفه تغيير الواقع الذى اعتدنا عليه ، وتصحيح الأخطاء التى أصبحت قاعدة على الرغم من أنها لابد أن تكون هى الاستثناء وليست القاعدة .


5

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق